المسافرون باتجاه بلاد الشام، والعائدون منها، على مقربة 45 كلم جنوب غرب مدينة كربلاء، هم على موعد مع علامة فارقة هناك، بإطلالتها المنتشية، بهيبة التاريخ وروعة العمارة، حيث يربض \”حصن الأخيضر\” في بادية كربلاء.
الاثر القديم، يبدو علامة فارقة وسط الصحراء، موقعه الاستراتيجي يمنحه اهمية خاصة، اذ يبعد 70 كيلو مترا شمال غرب مدينة الكوفة، ويبعد 120 كيلو مترا عن بغداد، ولا يفصله عن كربلاء اكثر من 45 كيلو مترا، وعن مدينة عين التمر القديمة نحو 20 كيلو مترا. نظرا لهذا الموقع فالقناعة تذهب الى ان ذلك الاثر ليس الا حصن مشيّد لأغراض دفاعية وعسكرية، او ربما لحماية القوافل بين العراق وبلاد الشام. وما يعزز هذا الرأي أيضا طريقة بنائه وسوره الدفاعي المنيع مع وجود تحصينات دفاعية سميكة من الجدران، التي يبلغ عرضها قرابة 5 امتار، ولا يتخللها الا فتحات في اعلى السور لغرض رمي السهام، والزيت الساخن. الحصن بني على شكل مستطيل، بطول يصل الى 176 مترا وعرض يقارب 170 مترا. وقد بنيت جدرانه الخارجية من الحجر والنورة.
أما عن تاريخ انشائه فقد اختلف المؤرخون، فالبريطانية \”مس بيل\” وهي ممن اهتم كثيرا بهذا الاثر التاريخي وزارته في العام 1909 وكتبت عنه في مناسبات عديدة، كانت تعتقد بأنه يعود للعصر الاسلامي، ويتفق معها مجموعة من الباحثين في هذا المجال مثل \”هرتسفيل\”، \”اوسكار\”، \”ورويتر\”، حيث يذهب هؤلاء جميعا الى ان المبنى شيّد في العصر الاسلامي، لكنهم اختلفوا في تحديد المرحلة الزمنية بشكل دقيق، فبعضهم يعتقد بأن المبنى شيّد في الفترة العباسية، وان الحصن يعود لـ\”عيسى بن موسى\” ابن اخ الخليفة العباسي المنصور، الذي كان والياً على الكوفة في عهد عمه المنصور. وان لتشييد هذا القصر قصة رواها بعض المؤرخين، ذلك أن أبا العباس السفاح قد أوصى أن تكون الخلافة لعيسى بعد المنصور، ولكن عندما آلت الخلافة إلى المنصور، تنازل عيسى عن الخلافة أمام الضغوط فترك المدن وذهب ليسكن البادية حيث شيّد قصر الأخيضر، فيما ترى \”مس بيل\” بأن الاخيضر هو \”موقع دومة الحيرة\”، وقد شيّد في العصر الاموي.
وكما اختلف في تاريخ بنائه، اختلف أيضا في اصل تسميته، فهناك من يعتقد بان مفردة \”الاخيضر\” محرّفة من \”الاكيدر\”، وهو اسم أمير من أمراء كندة، اسلم في صدر الاسلام. وهناك من يرجع كلمة \”الاخيضر\” الى لقب شخصية معروفة في التاريخ هو \”اسماعيل بن يوسف الاخيضر\” حاكم اليمامة على الكوفة من قبل القرامطة في القرن العاشر الميلادي.
الاخيضر قصة تاريخ وعمارة وسيل من الاسرار، لكن ذلك الاثر التاريخي البارز لا يختلف كثيرا عن بقية المواقع الاثارية في العراق من حيث الاهمال وعدم إيلائه ما يستحق من اهتمام، ليس ثمة لوحات توضح للزائرين بإيجاز محتويات ذلك الحصن المهيب، فهناك تفاصيل كثيرة في داخل الحصن تستعصي على عامة الناس، وليس هناك دليل موجز عن تاريخ ذلك الصرح الكبير، ولا مرشد سياحي لمن يرغب في ذلك، منطقة الحصن مهجورة، الا من نقطة عسكرية اوجدت بهدف الحراسة.
والموضوع الأكثر إلحاحا هو انعدام الاهتمام بهذا الاثر الكبير الذي يجسد روعة الهندسة العربية والاسلامية وجمالها، انطلاقا من الايمان بأهمية المحافظة على الاثار، كونها شواهد تاريخية تعبّر عن حضارة عراقية عريقة، كان من الضروري ايلاء هذا الصرح الخالد اهتماما خاصا، عبر ايجاد بنى تحتية حقيقية حوله للنهوض بالواقع السياحي للبلاد، من خلال الاحتفاظ باصالة المكان وروحه، خاصة عندما يرتادها الـزوار والسواح من مختلف بقاع العالم. وقد قامت في سبعينيات القرن الماضي، مـبادرات لبعض المؤسسـات الفنيـة بـإقامة مهرجانات فنية في باحة الحصن، كالمهرجان الذي أقامته اكاديمية الفنون الجميلة عام 1972 ومهرجانات أخرى للفرقة الشعبية ثم فرقة مسرح الشباب المعاصر، مضافا الى السفرات المدرسية والجامعية. وبرغم ذلك الحجم الهائل من الاهمال، الا أن المتعة مضمونة للزائرين في \”حصن الاخيضر\”.