سوى ان تقف مكتوفة الايدي وتحاول مسك العصا من الوسط وترضي جميع الاطراف، بعيدا عن الوقائع والحقائق وتسمية الامور بمسمياتها، فان النخبة المثقفة في العراق وكثير من القوى السياسية المعتدلة لا تستطيع ان تفعل شيئا!
بفعلها ذلك تتصور انها تطفئ نيران الاحتقان وتخفف من المشكلة. بفعلها ذلك تتصور انها تحافظ على مصالحها وتحافظ على شعرة معاوية مع الجميع. بفعلها ذلك لا تغضب احدا. اهداف الانتلجنسيا العراقية لا تتعدى ذلك وليس باستطاعتها حتى لو ارادت ان تفعل شيئا، هكذا عادة ما تكون الاجابات من قبل الكثير من ابطالها، مسك العصا من الوسط ومحاولة ارضاء جميع الاطراف لا تبدو في جميع الحالات مسألة منطقية وقد تكون في بعض الاحيان محض هراء.
واذا ما كانت الطبقة السياسية قد انتهت صلاحيتها تماما ولم تعد قابلة للتسويق بتاتا وان الوجوه الموجودة حاليا في المشهد السياسي العراقي تلوثت بما يكفي بحيث لم تعد تفكر حتى بمصالح احزابها وتياراتها، بل بمصالحها الشخصية جدا، فان التعويل ينصب على النخبة العراقية بتنضيج جملة من الخيارات المختلفة وفقا للمعطيات الكثيرة التي تراكمت منذ تأسيس الدولة العراقية، وحتى هذه اللحظة، وخصوصا تلك المعطيات التي توضحت في العقد الاخير.
المثقف العراقي مهووس بالمجاملات، انه يجامل الجميع لكي لا يغضب عليه احد، لذلك فانه بهذه الطريقة من التفكير لا يبدو مؤهلا، حتى على المستوى النظري للإجابة عن اكثر الاسئلة الحاحا فيما يتعلق بمستقبل العراق، والى اين نتجه جميعا بهذه الازمات الخانقة؟ التي لا يبدو ان احدا قادر على حلها بعدما استفحلت جدا دون اللجوء الى مناقشة الخيارات الصعبة. طرح الخيارات جميعها على الطاولة مسؤولية المثقف والباحث قبل ان تكون مسؤولية السياسي الانتهازي الذي يريد تحقيق مصالحه الضيقة في فترات قياسية من الزمن ولا يعنيه بعد ذلك شيئا اخر، فيما يتجاوز دور المثقف بكثير دور السياسي، من هنا فان الاول مطالب بتسليك مسارات واقعية بين تراكمات الاحداث الدموية في العراق، لكن لا يبدو شيئا من هذا القبيل في الافق للأسف الشديد.
حفلات الشواء التي تحصل بين الحين والاخر، وربما ما يحصل في ذي قار من تهجير وما حصل قبله في ديالى، تلعفر كذلك، في الدجيل وبلد وغيرها من مناطق العراق في معظمها ردود افعال شعبية ذات طابع عفوي ردا على ما يقوم به مكون ضد آخر. الناس بدأت تقتنع بان عليها دور لابد ان تقوم به وان اصحاب القرار في الدولة العراقية غير قادرين على فعل شيء لأسباب المختلفة، لا جماعات الضغط ولا غيرها من النخب قادرة على فعل شيء ايضا سوى خطاب المجاملات، من هنا وصلنا الى ردود الافعال الشعبية التي تتناول الامور على طريقتها الخاصة، لا يمكن ان نطالب الجميع بضبط النفس وهم يحترقون عن بكرة ابيهم بموجات من الموت والقتل، فيما نكتفي فقط بالمطالبة بضبط النفس وانتقاد السياسيين.
القصة تجاوزت ذلك بكثير وقد حذرنا منها في مناسبات سابقة. اننا امام مفترق طرق ومرحلة حاسمة تتطلب فتح الكثير من الملفات الحساسة بين المكونات العراقية بدرجة وسقف اعلى بكثير من الصراحة والشجاعة عما سبق. الاكتفاء بلوم الساسة يعني ان المثقف العراقي ليس الا مفعول به ولا يمكن ان يكون فاعلا ابدا، حتى مع هذا السقف المفرط من الحرية، سقف وفر لنا الكثير من الظواهر الصوتية غير القادرة على فعل اجتماعي يضع حدا للمشكلة، اننا مقبلون على حرب اهلية معلنة وصارخة وبضوء اخضر من المكونات العراقية نفسها بعدما وصلت الهوة الى حد لا يمكن ردمه، فيما لا زال المثقف العراقي يغني \”امة عربية واحدة\”!
gamalksn@hotmail.com
حفلات الشواء هي البداية يا سيادة \”النخبة\”
2013-09-19 - منوعات