حرج جديد وقعت به الحكومة، عبر الإعلان الصريح لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بعدم وجود أي نية للانسحاب العسكري من العراق، وهذا ما أقر به مستشار حكومي، لكنه أكد أن بغداد عازمة على حسم هذا الملف، فيما بين مراقبون أن جولات المفاوضات والإعلانات السابقة كان هدفها “تهدئة” الفصائل المسلحة “فقط”.
ويقول المستشار السياسي لرئيس الوزراء سبهان الملا جياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق لغاية الآن لم يتوصل إلى أي اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد موعد إعلان سحب قواتها، لكن العراق عازم على حسم هذا الملف قريبا”.
ويضيف ملا جياد، أن “موقف العراق خلال تفاوضه مع الولايات المتحدة الأمريكية واضح بطلب إنهاء مهام التحالف الدولي وإنهاء الوجود الأجنبي والعراق غير معني بالتصريحات الإعلامية لبعض المسؤولين الأمريكان”.
ويتابع “خلال المرحلة المقبلة ستكون هناك جولات حوارية ما بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية لغرض حسم ملف التواجد الأجنبي”.
وكان مسؤول في البنتاغون، أعلن مساء الجمعة، أن الولايات المتحدة على علم بالتقارير التي ظهرت في وسائل الإعلام بشأن الخطط المحتملة لسحب القوات الأمريكية من العراق، لكن الولايات المتحدة “ليست مستعدة بعد للإعلان عن أي مواعيد محددة”.
وجاء تصريح المسؤول الأمريكي، بعد أن نشرت وكالة “رويترز”، تقريرا حول توصل الحكومة العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش، إلى تفاهم بشأن خطة إنهاء عملياته، وأن الخطة تتضمن خروج مئات من قوات التحالف الدولي من العراق، بحلول أيلول سبتمبر 2025، أما البقية فسيتم انسحابهم في العام 2026.
يشار إلى أن الفصائل المسلحة ومنذ منتصف تشرين الأول أكتوبر 2023، بدأت باستهداف القواعد الأمريكية في العراق، وذلك بالتزامن مع حرب غزة، حيث أعلنت الفصائل أن استهدافها للقوات الأمريكية، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وشهد التصعيد السابق بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية، ردودا عسكرية من قبل واشنطن، كان آخرها قصف مدينة القائم المحاذية للحدود السورية، وقد أكدت القيادة المركزية التابعة للجيش الأمريكي في حينها، أن قواتها شنت غارات جوية في العراق وسوريا استهدفت بها مواقع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني وجماعات الميليشيات التابعة له، وقالت القيادة، إن القوات العسكرية الأمريكية ضربت أكثر من 85 هدفا مع العديد من الطائرات التي تضم قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة.
من جهته، يبين المحلل السياسي والأمني أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الموقف الأمريكي منذ بداية التفاوض ما بين بغداد وواشنطن، كان يرفض الانسحاب والتأكيد على البقاء العسكري في العراق”.
ويؤكد الشريفي، بأن “البيانات المشتركة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية كانت خالية تماما من أية كلمة تشير إلى الانسحاب العسكري، وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد أي انسحاب، مقابل تجديد الإعلان الأمريكي بالبقاء، فيما تلتزم الحكومة العراقية الصمت”.
ويرى أن “هدف إعلان الحوار بين بغداد وواشنطن هو تهدئة بعض الفصائل المسلحة العراقية الخارجة عن سيطرة الحكومة الحالية، والتي أرادت من هذا التفاوض تجديد مهلة التهدئة ما بين الفصائل والأمريكان”.
وكانت وزارة الخارجية أعلنت في آب أغسطس الماضي، عن تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بسبب “تطورات” لم تحددها، لكن مستشار رئيس الوزراء، ضياء الناصري، أكد أن الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد وما سبقه من استهداف لفصائل الحشد الشعبي في جرف الصخر هو الذي أدى إلى تأجيل إعلان انتهاء مهمة قوات التحالف، مؤكدا أن المفاوضات مع التحالف لإنهاء مهمته تأجلت لتقييم الوضع ولحين معرفة الجهات التي استهدفت قاعدة عين الأسد.
جدير بالذكر، أنه نتيجة للتصعيد بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية، جرى الإعلان قبل أشهر عن بدء المفاوضات بين اللجان العراقية والأمريكية، لبحث انسجاب القوات الأمريكية، وما تزال هذه اللجان تعمل دون إعلان النتائج النهائية حتى الآن.
إلى ذلك، يبين الباحث في الشأن السياسي أحمد الياسري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجميع يعلم أنه لا نية لأي انسحاب أمريكي، والتفاوض الحالي هو لتغيير عنوان التواجد فقط، خصوصا ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية الأمريكية”.
ويلفت الياسري، إلى أن “الحكومة العراقية وكذلك القوى السياسية الداعمة لها، تدرك جيداً بانه لا انسحاب أمريكي، خاصة وأن هناك اطراف عراقية تخشى أي انسحاب أمريكي من العراق”.
ويشير إلى أن “الانسحاب الأمريكي من العراق بالتأكيد ستكون له تداعيات مختلفة، ولذا فجميع الأطراف لا تريد الانسحاب، بل تحاول تسويف هذا الملف، والموقف الأمريكي واضح وهو الحقيقي بأنه لا انسحاب قريب ولا حتى بعيد، وهذا سيضعف موقف حكومة السوداني بالتأكيد”.
يذكر أن زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى واشنطن واجتماعه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في نيسان أبريل الماضي، لم يتضمن بحث ملف الفصائل المسلحة أو الاستهدافات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق.
يشار إلى أن الردود الأمريكية على استهدافات الفصائل المسلحة، تضمنت أيضا عمليات اغتيال لقادة في تلك الفصائل وسط العاصمة بغداد، عبر صواريخ موجهة ودقيقة.