جاء الحديث عن تشكيل “مثلث” عراقي سوري تركي لمكافحة الإرهاب، كي يسلط الضوء على متغيرات عدة في المنطقة، لا سيما في مجال العلاقات الاستراتيجية والأمن الإقليمي، والأهم بالنسبة للجارة الشمالية للعراق، هو ملاحقة حزب العمال الكردستاني (PKK)، لكن لهذا الأمر قراءات عدة، منها محاولة “سحب” العراق من العباءة الإيرانية، وفقا لصحيفة “ديلي صباح” التركية، فيما أكد مراقبون أن بغداد ما تزال تتعامل بحذر مع الخطوات التركية، وأن المتصدين للسلطة لا يريدون “خسارة” الدعم الإيراني، وسط إشارة إلى “نجاة” بغداد من فخ تركي.
ويقول المحلل السياسي، فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المشكلة الأمنية بين العراق وتركيا قائمة منذ أربعة عقود، ومركزها وجود قوات حزب العمال الكردستاني، المعارض للحكومات التركية المتعاقبة منذ ثمانينات القرن الماضي”.
ويضيف المشعل، أن “وجود الفصائل المسلحة في كردستان العراق وتحديدا على الشريط الحدودي، كان منطلقا لهجمات مستمرة ضد القوات التركية، سواء على الحدود أم في الداخل التركي، وعندما سقط النظام السوري أصبحت عمليات التواصل بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستاني، في العراق، أكثر انسيابية في التنقل وتقديم الدعم المتبادل”.
ويتابع أن “العراق الذي تنتشر على أراضيه في الشمال قوات حزب العمال، كان وما زال يعاني من وجودها، برغم الدعم الذي قدمته له خلال الحرب ضد، كما أن قوات الحزب تحظى بدعم إيراني”، مبينا أن “التهديد لتركيا توسع اليوم مساحة كبيرة، تمتد من شمال العراق إلى العمق السوري، لهذا طرحت تركيا فكرة المشاركة مع العراق في حرب تقوم بها ضد حزب العمال”.
ويؤكد أن “بغداد اليوم تتعامل بحذر شديد مع الطلب التركي، كما أنها غير مستعدة لخوض حرب ضد أي جهة ، لكنها لا تتخلى عن مهامها في حماية البلاد”.
واستعاد تقرير تركي نشرته صحيفة “ديلي صباح”، بداية الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان إلى بغداد، حيث دعا إلى بذل جهود إقليمية مشتركة لمكافحة حزب العمال الكردستاني وجناحه المتمثل بوحدات حماية الشعب في سوريا المجاورة، بالإضافة الى تنظيم داعش، مضيفا أن هذا التصور يثير العديد من التساؤلات حول مدى جدواه، خصوصا في ظل مواقف الدول المعنية وأولوياتها والجماعات الإرهابية والعوامل الخارجية.
وتابع التقرير أن أولوية أنقرة الرئيسية تتمثل في مواجهة مشكلة حزب العمال الكردستاني، والذي سبب توترات سابقة في علاقاتها مع بغداد، مشيرا إلى أنه في ظل المشهد الجديد في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، فإن تركيا تأمل في تجديد جهودها للتخلص من وحدات حماية الشعب السورية وقطع ارتباطاتها بحزب العمال الكردستاني في العراق، وضمان وحدة الأراضي السورية لتأمين حدودها الجنوبية بشكل نهائي.
وتدرس حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إرسال وزير الخارجية فؤاد حسين في زيارة رسمية إلى سوريا، في خطوة مكملة لسياسة الانفتاح على الدول الإقليمية، لاسيما بعد تولي قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الرئاسة في سوريا.
وترأس قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، في 29 كانون الثاني يناير الماضي، بقصر الشعب في دمشق اجتماعا موسعا للفصائل العسكرية والثورية، تقرر فيه أن يتولى الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية وإلغاء العمل بدستور سنة 2012، فضلا عن حل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد.
من جانبه، يبين المحلل السياسي، محمد نعناع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق وإيران، في الحقيقة لا يوجد بينهما أي تحالف، وكل طرف يحاول تقريب الطرف الآخر له، سواء سوريا أو تركيا وغيرهما، بما يتناسب مع مصالحه، ولا توجد أي تحالفات على أرض الواقع”.
ويؤكد نعناع، أن “العراق يحاول إبعاد نفسه عن التحالفات وأن يكون قريبا من التفاهمات، لأنه ما يزال مرتبطا عضويا بالنفوذ الإيراني، ويتخوف أي متصد للسلطة من التخلي عن إيران، لأن ذلك قد يحدث لحكومته وإدارته انتكاسة كبيرة، قد تؤدي الى خسارته لمعادلة السلطة”، مستدركا أن “أي تحالفات أو حتى اتفاقات متقدمة بين العراق وتركيا وسوريا غير موجودة حتى الآن”.
ويوضح أن “العراق نجا بأعجوبة من فخ تركي قبل أيام عندما حاولت تركيا أن تضغط على حكومة السوداني في مقابل أن يتحلحل موضوع المياه، بشرط أن يعترف بأن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وكان العراق أوشك أن يعلن ذلك، لكنه شعر بوجود تبعات، وأن تركيا ستدخل بشكل رسمي لمقاتلة هذه المنظمة، ولذلك أكتفى بأن يصفه بحزب محظور في العراق، خصوصا بعد ملاحظة أن بعض مقاتليه حصلوا على هويات عراقية”.
وأجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 26 كانون الثاني يناير الماضي، زيارة سريعة إلى العاصمة بغداد، هي الثانية له إلى البلاد منذ توليه منصبه في حزيران يونيو 2023، حيث تركزت على الأحداث في سوريا.
وشكلت الأوضاع والتطورات التي تشهدها سوريا واستمرار مكافحة تنظيم داعش، أبرز الملفات التي بحثها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال لقائه في بغداد، في 26 كانون الثاني يناير الماضي، مع كل من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وقائد قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا الجنرال كيفن ليهي.
ولعل إيران المتضرر الأكبر مما حدث، فقد تقطعت أوصال “الهلال الشيعي” الذي عملت على مدى 44 عاما على صناعته، فمنذ العام 1980 استطاعت إيران أن تبني علاقات استراتيجية مع نظام حافظ الأسد الذي وقف معها بقوة في حرب الثماني سنوات مع العراق، وصل الأمر إلى حرمان سوريا نفسها من واردات مرور النفط العراقي من أنبوب كركوك ـ بانياس لنقل النفط عام 1982، الأمر الذي أفقد العراق، يومها، نصف قدرته التصديرية، ولم يبق له سوى تصدير النفط عبر خط كركوك ـ جيهان المار عبر تركيا، بعد تعذر تصدير النفط عبر الخليج العربي بسبب الحرب.
وتسبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة “منظمة إرهابية”، في الأراضي العراقية بالعديد من الأزمات السياسية بين البلدين، وتكمن صعوبة إجراء تفاهمات كاملة بين حكومة العراق والحكومة التركية بشأن إنهاء وجود مسلحي الحزب في العراق في عدة عوامل ميدانية عسكرية، أبرزها وجود الحزب في مناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خصوصاً في مناطق سنجار، غرب نينوى.