صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«حل الفصائل» إلى الواجهة.. هل وصلت الحوارات الحكومية إلى طريق مسدود؟

لطالما كانت قضية حل الفصائل المسلحة في العراق واحدة من القضايا الحساسة التي تمثل نقطة تقاطع بين المصالح الداخلية العراقية والتوازنات الإقليمية والدولية، في ظل الدور الإيراني وتصاعد الضغوط الأمريكية والدولية لحل هذه الفصائل.

وفي تطور جديد، أكد ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، اليوم الخميس، أن حوارات الحكومة العراقية والفصائل المسلحة من أجل نزع أسلحة الأخيرة خلال المرحلة المقبلة، وخاصة الطائرات المسيرة لم تصل إلى أي اتفاق يذكر.

وقال عضو الائتلاف عبد الرحمن الجزائري، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “هناك طلبا أمريكيا من أجل نزع سلاح الفصائل العراقية وخاصة السلاح الثقيل، مثل الطيران المسير وغيره، من أجل مشاركة تلك الفصائل في العمل السياسي والحكومي خلال المرحلة المقبلة”.

وأضاف أن “الحوارات ما بين الأطراف الحكومية المختصة والفصائل مستمرة من أجل حسم هذا الملف، لكن لغاية الأن لا يوجد أي اتفاق على نزع السلاح ودمج الفصائل، خاصة وأن تلك الفصائل التي هي ضمن (محور المقاومة) مازالت على تواصل وتنسيق مستمر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فضلا عن أنها خارج منظومة هيئة الحشد الشعبي، ولهذا الحكومة لا تستطيع إجبارها وإلزامها بأي شيء”.

وتشهد الساحة السياسية في العراق جدلا واسعا حول مساعي الحكومة لإقناع الفصائل المسلحة في البلاد بتسليم السلاح أو الانضمام للقوات الأمنية، لا سيما بعد النكسات التي تعرض لها “محور المقاومة”، وتولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم.

وأكد رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، في 28 كانون الثاني يناير الماضي، أن جميع الفصائل المسلحة تقع تحت سيطرة الحكومة، لافتا إلى أن الحديث عن التأثير الإيراني في بلاده يحمل مبالغة كبيرة، وفيما أفاد بأن “قادة الفصائل توصلوا إلى عدم الحاجة لاستخدام السلاح، خصوصاً بعد إنهاء الحرب واتفاق وقف النار في غزة”، أوضح أن “الحكومة الآن أخضعت الفصائل لسيطرتها وفق آليات، للوصول إلى وضع يُنهي أي نشاط قتالي في هذه الظروف”.

وفي مقابلة أخرى قال رشيد، إن “معظم الفصائل يعتبرون أنفسهم جزءا من الحشد الشعبي، والحشد الشعبي حشد رسمي عراقي بقانون البرلمان في العراق، وأريد أن أركز على نقطة أن نشاطاتهم متوقفة الآن خاصة أنهم استمعوا لنصائح الحكومة العراقية، واتفقوا على وقف أي نشاط عسكري ضد أي جهة كانت، والآن نشاطاتهم متوقفة ولا وجود لأي تهديد”.

وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد في 21 كانون الثاني يناير الماضي، أن حكومته تعمل على دمج الفصائل ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، لافتاً إلى أن “الحكومة عازمة على بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري العرب”.

كما نقلت وكالة رويترز، عن وزير الخارجية فؤاد حسين، قوله إن “الحكومة العراقية تحاول إقناع الفصائل المسلحة في البلاد بإلقاء السلاح أو الانضمام للجيش والقوات الأمنية الرسمية”، مشيرا خلال زيارة رسمية إلى لندن إلى أنه منذ عامين أو 3 أعوام كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا لكن الآن أصبح من غير المقبول وجود مجموعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة”.

ويرى مراقبون، أن دمج الفصائل المسلحة ضمن المؤسسة الأمنية في العراق، سيحميها من أي استهداف أو ضربات عسكرية من الولايات المتحدة أو حلفائها.

وانضوت معظم الفصائل المسلحة في هيئة الحشد الشعبي في إطار قانون أقره مجلس النواب في 2016، واعتبرها جزءا من القوات العراقية، ومع انطلاق حرب غزة، ظهر مصطلح “المقاومة الإسلامية في العراق”، الذي جمع تحت مظلته مجموعة من الميليشيات المدعومة إيرانيا، من ضمنها نحو 15 فصيلا عراقيا، وشاركت في الهجمات التي شنت على إسرائيل والقواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي، وفق مبدأ “وحدة الساحات”.

وكانت مصادر سياسية مطلعة في العراق كشفت، في 18 ديسمبر كانون الأول 2024، عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أمريكية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المتفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم، فيما ربطها سياسيون بـ”مؤامرات داخلية” تستهدف إضعاف المكون “الأقوى”، وخلخلة الاستقرار الأمني في البلاد.

وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مختار الموسوي، في حينها، بوجود ضغوط أمريكية لحل الحشد، داعياً الحكومة إلى عدم الاستجابة لها، مهما كلفها من ثمن، لافتاً إلى أن “الحشد الشعبي يشكل صمام أمام البلاد، ومن ثم الأجهزة الأمنية والعسكرية.

وأكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، في 12 من كانون الأول ديسمبر 2024، في مؤتمر صحفي من النجف عقب لقائه نجل المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، أنه ناقش “خطوات النأي بالعراق عن أية تجاذبات سلبية لا تخدم أمنه واستقراره”، وألا يتحول البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، داعيا القوى السياسية العراقية لوضع مصلحة البلد في الصدارة، والتأكيد على أن “أمن العراق والعراقيين غير قابل للمساومة”.

وكان المرجع السيستاني، قد أكد في بيان صدر عن مكتبه عقب اللقاء بالحسان في 4 تشرين الثاني نوفمبر 2024، على منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد.

يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أجرى جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، في 13 كانون الأول ديسمبر 2024، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكالة “رويترز” على “التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته”.

ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة إلى السوداني، بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها”.

يذكر أن “العالم الجديد”، ناقشت في تقرير موسع انهيار ما يسمى بـ”محور المقاومة”، عقب سقوط نظام بشار الأسد، في سوريا، وقطع الطريق على تسليح حزب الله اللبناني، وإسقاط نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ، وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض”.

إقرأ أيضا