حماية الطفولة.. قانون يتأرجح بين الأعراف الاجتماعية وحقوق الأبناء

قد يُمكن قانون حماية الطفولة المعروض على البرلمان، الأطفال من تقديم شكاوى ضد ذويهم إذا…

قد يُمكن قانون حماية الطفولة المعروض على البرلمان، الأطفال من تقديم شكاوى ضد ذويهم إذا تعرضوا للتعنيف، ولكن مشرعين وقانونيين وباحثين اجتماعيين، توقفوا عند هذه الجزئية، ففي الوقت الذي رأوها غريبة على المجتمع العراقي الذي يعتبر ضرب الأبناء تأديبا وليس تعنيفا، يجتهد البرلمان في إيجاد معالجة لمسودة القانون تراعي الأعراف المجتمعية وحقوق الأطفال في آن واحد.

ربما يستطيع الابن، وفق مشروع قانون حماية الطفولة المعروض على البرلمان، تقديم شكوى ضد الأب إذا عرضه للتعنيف، وهذه تفصيلة يتوقف عندها مشرعون وقانونيون وباحثون اجتماعيون، إذ أن من غير المعتاد في المجتمع العراقي أن يلجأ الطفل إلى الشرطة إذا ضربه أبوه، فهذا السلوك يعد تأديبا بين العراقيين بشكل عام وليس تعنيفا، وبينما يرى باحث اجتماعي وخبير قانوني أن مشروع القانون هذا يحتوي على إشكاليات عدة، يذهب أحد أعضاء البرلمان إلى إمكانية معالجته بما يراعي الأعراف المجتمعية وحقوق الأطفال في آن واحد.

ويقول النائب جواد الغزالي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك أعرافا تراعى مع القانون، بينها عدم السماح للطفل بإقامة دعوى ضد والده، وسنجعل هناك توازنا بين حماية الطفل والعادات والقيم الموجودة في المجتمع”.

ويضيف الغزالي أن “كل قانون قابل للنقاش والتعديل، والأمور التي تخص الطرفين سيتم تعديلها بما يرضيهما من أجل الحد من العنف، إضافة إلى منع الأمور المخالفة للأعراف”.

ويشير إلى أن “هناك خلافات كبيرة داخل الأسر نتيجة عدم وجود التوافق والسرعة في الزواج من دون التدقيق والتعرف على الآخر، وبعد فترة يتم الطلاق والأطفال يكونون الضحية”.

يشار إلى أن مجلس النواب، أنهى يوم أمس الأحد، القراءة الأولى لمشروع قانون حماية الطفل، وسط اعتراضات من بعض الكتل السياسية على ما ورد فيه من بنود.

وتضمن مشروع القانون بعض البنود الخلافية، منها وضع آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه، وتخويل وزير العمل والشؤون الاجتماعية اختيار عائلة بديلة لأي طفل تعرض للانتهاك أو فقد أحد والديه، فضلا عن تحميله الموظف بالخدمة العامة، مسؤولية عدم الإبلاغ عن تعرض الطفل للأذى.

كما منع القانون تشغيل الاطفال تحت سن 18 عاما، أو إشراكهم بالجماعات المسلحة أو دخولهم النوادي الليلية أو صالات السينما في حال كان العرض غير مخصص لأعمارهم، وحماية الطفل من المخدرات واستغلاله جنسيا ومنع بيع الألعاب المحرضة على العنف والقتال.

وقد وردت في القانون مفردة “الأذى” من دون أي توضيح لها، وما إذا كانت تندرج ضمن التأديب أم العنف.

من جهته، يفيد الباحث الاجتماعي محمد المولى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “البناء السليم لشخصية الطفل يجب أن يستند إلى معيار المواطنة الصالحة والتربية من دون استخدام العنف، فإذا تحقق هذا الأمران سنتخلص من مشاكل كثيرة”.

ويتابع المولى أن “النقاط الرئيسة في القضايا الاجتماعية هي التمسك بالثوابت الاجتماعية القيمية الدينية للعائلة والتي ترتبط بالمجتمع، لكي يبقى البلد محافظا على قيمته وعدم انحراف المجتمع نحو العنف أو الأمور الأخرى”.

ويلفت إلى أن “هناك إشكاليات بخصوص تطبيق هذا القانون، حيث أننا نستأنس بالقانون الديني وليس الوضعي، لأن القوانين الدينية تعطي الحق الأول، وليس العنف، للأب، ويصعب على مجتمعنا تقبل فكرة قدرة الطفل على تقديم شكوى ضد والده لأنه يضربه”.

يشار إلى أن مسألة التأديب للطفل، عبر ضربه أو معاقبته، من أساليب التربية الشائعة في المجتمع العراقي، ولاسيما في المناطق ذات الطابع الشعبوي أو العشائري.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، شهد العراق الكثير من حالات قتل الأطفال على يد ذويهم، وكانت هناك جرائم قد صورت ورصدت بالكاميرات، ما حولها لقضية رأي عام، فضلا عن انتشار عشرات مقاطع الفيديو لتعنيف الآباء لأطفالهم، بل وتعذيبهم وترك آثار على أجسادهم، وفي كل هذه الحالات اتخذت الأجهزة القضائية والأمنية الإجراءات اللازمة بحق مرتكبيها.

ومن الأمثلة ما جرى العام الماضي، حيث أقدم أب في محافظة ميسان على إعدام أولاده الثلاثة شنقا حتى الموت، بسبب خلافات عائلية مع زوجته، وهذه الجريمة جاءت عقب جريمة رمي أم لأطفالها من على جسر الأئمة شمالي العاصمة بغداد.

إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشروع القانون هذا مقتبس من القوانين الأوروبية ولا يأخذ بنظر الاعتبار أنه لا يجوز تشريع قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام، والتي أعطت سلطة مطلقة للأب في التأديب وبكل الأشياء”.

ويبين الشريفي أن “هذا المقترح يتضمن بعض الأمور المخالفة لثوابت الشريعة الإسلامية وبالتالي مخالفة للدستور، وهو مقترح إنشائي لا يتطابق مع الواقع، إذ أنه يضمن في بعض فقراته أخذ الطفل من أسرته وإيداعه دور الرعاية الدولة التي تقوم حاليا بطرد الأطفال عندما تصل أعمارهم إلى 15 عاما ولا أحد يستقبلهم”.

ويضيف أن “هذا القانون لن يعالج العنف ضد الأطفال، كما أن على الدولة إنجاز البنى التحتية اللازمة عندما تريد تشريع قانون ما، وعليه فإنه مشروع غير مدروس وسابق لأوانه، وكان الأولى معالجة الحالات الشاذة بترك الأب للأولاد والطلاق وغيرها وعدم التقرب من الثوابت التي قد تؤدي إلى تمرد الأبناء على آبائهم”.

وما زال العراق يفتقر إلى التشريعات اللازمة لحماية الأسرة والعناية بها، في ظل ارتفاع حالات زواج القاصرات، فضلا عن تردي الوضع الاقتصادي وانتشار تعاطي المخدرات، وسط رفض لتمرير قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس النواب في دوراته السابقة، بسبب اعتراضات بعض القوى الإسلامية، التي ترى في بعض بنوده تعارضا مع التعاليم الدينية.

 

إقرأ أيضا