صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حوارات مع الحسين (الليلة الثالثة)

في الليلة الثالثة صار الإحساس عندي قويا أن صديقي الحسين سيواصل زياراته لي وحديثه الأكثر من رائع.. الحديث الممتلئ صدقاً ونقاءً وربما المختلط بالوجع والألم والممتد من عمق التاريخ.. التاريخ المحقون بالعقائد والصراعات والصداقات والذبح والتفنن في طرق الموت الذي يمتهنه العرب ويجيدونه بشكل غريب وعجيب ومقزز حد القرف.

التاريخ المغيب بعضه والمخفي في أروقة السلاطين الفاسقين والمنحرفين والقتلة.. أصحاب الكراسي الذين يسلبون شعوبهم كل شيء.. كل شيء حتى كتابة التاريخ بشكل نقي خال من الشوائب.

على هذه الأفكار كنت أتقلب على وسادتي يمينا وشمالا ويبدو أن هناك يدا خفية تحرك أفكاري بالاتجاه الذي سيكون ممهدا لحوار الليلة مع الرجل الملائكي. وما هي إلا لحظات حتى غفوت وصحوت على يده الناعمة كالريش.. أيقظني بتساؤل.. لما تشغل رأسك بعنف العرب والعروبيين والمتأسلمين.. ألم تقرأ التاريخ جيدا؟ إنهم العرب الأجلاف يا صديقي.. العرب المتأسلمون والإسلامويون أيضا.. هنا قفز تساؤل في ذهني ربما هو يشغل بال الكثيرين أمثالي.. أردت أن اسأله عن ملايين الزائرين الوافدين إليه في عاشوراء وصفر.. هنا تألم واخرج حسرة كبرى مع زفيره اللاهب الممتلئ باللوعة والحرقة، ثم قال اعرف سؤالك وسأروي لك قصة من وحي خيال احدهم ربما أنت سمعتها وهذه القصة تختصر الحكاية، فقد كان هناك ببغاء ذكي ومن فصيلة نادرة ويتكلم لغات عدة هو وبقية فصيلته في غابة بعيدة حين أعجب به احد تجار بغداد المترفين واشتراه من هناك ووضعه في قفص وجاء به إلى العراق لكي يؤنسه ويضيف بعض البهجة عليه حين يتكلم، لكن الببغاء كان صامتا طول فترة حبسه في القفص، وهنا ندم التاجر المترف على المبلغ الطائل الذي دفعه مقابل هذا الببغاء الذي طالما تعب في محاورته واستفزازه من اجل الحصول على صوت واحد منه، لكنه لم يفعل، وأخيرا قرر التاجر أن يسافر الى قبيلة الببغاء فجاء الى الببغاء وقال له سأسافر الى قبيلتك فهل لك من طلب؟ ففوجئ التاجر حين سمع الببغاء يقول بلغ أهلي السلام وقل لهم إن ولدكم محبوس في بغداد فماذا يفعل؟ وبالفعل نقل التاجر كلام الببغاء الى قبيلة الببغاء الموجودة على احد الأغصان الكبيرة في الغابة، وندم التاجر أشد الندم حين شاهد قبيلة الببغاء كلها وهي تشهق من فجع الخبر وتسقط ميتة في لحظة واحدة. تألم التاجر كثيرا وحزن وتحير في ماذا سيقول للبغاء حين يعود إلى بغداد، وبالفعل حاول التهرب من أسئلة الببغاء واضطر أخيرا أن يروي له الحادثة فما كان من الببغاء إلا أن شهق أيضا شهقة الموت وسقط في القفص، وهنا ازداد حزن التاجر وقرر دفنه في الحديقة، فحفر حفرة كبيرة وبمجرد أن فتح باب القفص حتى طار الببغاء ووقف على شجرة عالية، فسأله التاجر وهو مندهش أنت حي إذن؟ فقال له نعم، ولقد نقلتَ لي ما الذي علي فعله حتى أتحرر من سجنك، وأوصلت رسالة أهلي لي بكل دقة.. يا صديقي ان الببغاء عرف كيف يترجم الرسالة ليتحرر وانا حينما قتلت وبقية أهلي في الطف إنما أردت إيصال رسالة لكم كيف تتحررون من الطواغيت والظالمين لكنكم للأسف تحبسون أنفسكم وأرواحكم كل يوم باسم الدين وباسمي.. تحبسون أنفسكم حين تأتون زاحفين بالملايين لزيارة مرقدي وتمارسون بعض طقوسكم المقيتة أحيانا وتنشدون الحرية لكنكم لا تطالبون بحقوقكم المستلبة وتخرجون بالملايين من اجل المطالبة بها.. أنا يا صديقي خرجت من اجل الإصلاح، وبمصطلحكم اليوم من أجل تحسين الخدمات، ومن أجل الفساد الإداري والمالي.. لا حاجة لي بزيارة الخانعين والاتكاليين.. لمرة واحدة اخرجوا بالملايين من اجل حريتكم ثم عاودوا لزيارتي وسأكون بانتظاركم.. اسمح لي ان استخدم عبارتك لي في الليلة السابقة.. تصبح على حقل من الورد.. وأضيف على مساحة من الحرية أيضا.

* كاتب وإعلامي عراقي

إقرأ أيضا