في الليلة الرابعة بدا وجه الحسين أكثر ألقا رغم أننا نقترب من العاشر من محرم ذكرى فاجعة الطف الأليمة.. وجه الحسين اقل تعبا وهناك مسحة من الفرح والأمل تعلو جبينه ما أثار داخلي سؤالا ربما يبدو سخيفا: ما سر الفرح القليل وبصيص الأمل على وجهه الجميل فبادرني بالجواب قائلا إن النفوس الطاهرة والطيبة التي تحمل النقاء والبياض تحزن لكل فعل سيء بيد أنها من جانب آخر تفرح وتمرح لكل فعل خير، لذلك حينما تحدثنا قبل ليلتين عن صديقك المليونير وفعله السيئ أخبرتك عن مدى حزني ووجعي لهذه النماذج، ولكنني لم أخبرك عن أصدقائك الآخرين الذين وقفوا معك في محنتك وكم اجتاحوا قلبي بعاصفة الحب التي تملأ نفوسهم.
اليوم أردت أن نتحدث عن شارع الثقافة.. أعني شارع المتنبي، وغالبا ما تطوف روحي هناك، وخصوصا في أيام الجمع.. أتابع هذا واعطف على ذاك وافرح لعائلة عراقية ترتاد هذا الشارع وتحاول أن تتواصل مع الثقافة والنقاء.. افرح لطفلة عراقية ترسم هناك قرب ساعة القشلة وتريد إيصال رسالة الاطمئنان والحب الى الآخرين وربما احضر بعض الندوات في المركز الثقافي او بعض الفعاليات وأشاهد الفضائيات وعدسات الشباب التي تحاول ان توثق الفرح على وجوه الناس.
اتمشى الى المرسى واقف عند دجلة.. دجلة الخير كما وصفها الجواهري الكبير بيد أنني احزن لدجلة وما يعاني كثيرا من سلوكيات من يسمون أنفسهم مثقفين ثم أعود الى القيصرية وربما اتناول الشاي من ذلك الرجل الأسمر الذي اسمه حافظ.
لا احد يعرفني رغم أنني اعرف الجميع واقرأ بعض الوجوه الحزينة هناك التي تحاول ان تخفي ملامح الحزن والوجع واجمل شيء هناك ان الجميع يتساوى ويحضر هناك.. الاسلامي والمسيحي الديني واللاديني والملحد أيضا.. على الأقل هم يتساوون في الحضور ليجدوا مساحة من إبداء الرأي وقبول الرأي الآخر، يتساوون بالحرية المؤقتة والقليلة لكنهم من المؤكد لا يتساوون بدرجات التكبر والتعالي على الآخر باسم الثقافة.. نعم صديقي هناك من ينظر من طرف انفه الى الآخر ويجد نفسه الأقدس والأفضل والأكمل لذلك تجد من يتهكم ويقول ان اردت ان تصبح مثقفا ما عليك إلا الحضور الى شارع المتنبي، وهو تهكم ربما صدر نتيجة تعالي هؤلاء على الناس.. نعم أجد الكثير من المثقفين في هذا الشارع كما أجد المتثاقفين أيضا. إنهم يفهمون الثقافة بشكل مخطوء.. هنا قلت له إن بعضهم يعرف الثقافة انها إنتاج الوعي فقال مبتسما نعم إنتاج الوعي المترجم الى السلوك وليس حبيس النظريات والسطور.. الثقافة يا صديقي سلوك انساني قبل كل شيء.. الثقافة أن تتفاعل مع آلام الآخرين وهمومهم كما فعل بعضهم معك في أزمتك.. لا يهم ما عقيدته او دينهـ وكما يقول أبي سيد الحكماء إن لم يكن أخ لك في الدين فنظير لك في الخلق.
ربما سيعترض عليك من يعترض حين تنشر حوارنا هذا، لكنك لم تأت بكلام من الغيب.. إنه انا الحسين من يقول ذلك.. احب شارع المتنبي واحب حراككم المدني الذي لا يخاف السلطان.. إنكم تضعون قدمكم على الطريق الصحيح ورحلة الحرية تبدأ بخطوة.. إنكم حسينون وان لم تتدينوا.. فالحسين سلوك وحركة تصحيح ومناداة بالحقوق الضائعة.
تصبح على يوم مليء بالحرية والحب.. استودعك الله.
* كاتب وإعلامي عراقي