حوارات مع الحسين (الليلة السابعة والأخيرة)

يستل الحزن الى اوردتي هذه الليلة، ها انا اشعر به وهو يجتاح كل شيء فيّ، حتى اصغر مساماتي، ربما كنت استشعر انه اللقاء الاخير مع صديقي الملائكي، الحنون، المدهش.

ايقنت وهو يفتح باب غرفتي ليلا ليلقي التحية، ان كل اللقاءات السابقة لم تكن مجرد رؤيا في المنام، بل كانت حقيقة ساطعة. ها انا اتحسس وجهه الحزين واستقبل انفاسه الحرّة وهو يتحدث معي، وقد اختار اجمل وارق واروع عناوين المفردات في الكون ليجعله حوار الليلة الاخيرة.

الحب، سألني عن الحب فقلت افتقده جدا، تبسم ابتسامة هادئة وسط وجهه الاليم والموجوع، وقال مخطئا يا صديقي، لا احد في الكون لا يمتلك مساحة من الحب، حتى الطغاة لهم شيء يحبونه.

اما انتم الفقراء، الانقياء، فانكم مساحة خضراء من حب الكون كله. ارجوك ان لا تصطنع التواضع، فقلت انا خجل امامك ايها المحب الكبير. اخجل حين ارانا ندعي الحب لك ونخالفك. قال انت لست منهم. والاخرون ربما لا يميزون يا صديقي بين الولاء والثناء. انتم امة ثناء. تجيدون الثناء كثيرا، فيما القليل منكم من يجيد الولاء. الحب يا صديقي هو الولاء لا الثناء.

الامر في غاية البساطة، افرغوا قلوبكم من الضغينة ثم املؤوها بالحب.

معضلة الكثير يا صديقي، هي انهم يريدون الحب وقلبهم مختنق بالضغينة.

انا لا اتحدث بالمطلق، وانت تعرف ذلك، حتى لا نبخس الناس مشاعرهم وصدقهم ونقاءهم. المحبون موجودون وان كان عددهم قليلا.

الامر في غاية البساطة، افرغوا قلوبكم من الكذب واملؤوها بالصدق. فليس هنالك اجمل من الصدق. انتم امة تجيد المدح والذم فقط. ولا تنظرون الى انفسكم ولا تخطون خطوة عملية باتجاه عشق الصدق والحياة.

اعشقوا الحياة وابدعوا فيها واصنعوا الخير. الحياة نعمة يا صديقي فاتقنوا صناعة الحياة.

انتم تصنعون توابيتكم وقبوركم بايديكم كل يوم بذم الحياة. انتم تعادون الحياة فكيف ترجون معروفا من شخص تكرهونه.

عشق الحياة ليس بالضرورة التمسك بها والقتال من اجل البقاء، عشقها يعني صناعة الخير والحب والجمال والتعاون كل يوم.

انتم بارعون بصناعة الموت واليأس والتشاؤم. ربما تجد في كلامي شيئا من الطوبائية والخيال، لكني اتحدث عن تجربة هي ماثلة امامكم الى اليوم.

انا الحسين بن علي، بقيت خالدا بالحب، بكيت على اعدائي لاني اخشى عليهم واخاف عليهم واحبهم.

احبوا بكل ما تستطيعون، واصدقوا مع الاخر حد النخاع، وانبذوا الشر داخل ذواتكم. اصنعوا الجمال والطمأنينة اينما حطت اقدامكم وارواحكم.

اجيدوا فن التسامح، واصغوا الى الاخر اكثر مما تتكلمون.

ألم تتعبوا من الكلام؟ ربما هناك ألم في الحب، وربما هناك وجع في الحب، لكنه الم ووجع لذيذ، لانكم ستخلّدون وسيحترمكم الاخرون.

الحب يا صديقي صناعة الرب، وصناعة الرب دائمة ومعطاءة وخالدة.

اعرف حزنك واستشعر ألمك، ولكن يجب ان اغادر، اعدك اننا سنلتقي يوما ما، ربما في العام القادم او ربما بعده لكننا سنلتقي.

وضع يده على قلبي، وابتهل الى الله ان يثبت الحب دائما في قلبي، وقال ابلغ الاخرين سلامي وحبي لهم ابدا. شكرا لك لانك سمعتني ودونت ما دار بيننا من حوار. استودعك الأمن والأمان والحب صديقي.

*اعلامي عراقي

إقرأ أيضا