على الرغم من تكرار التيار الصدري موقفه الرافض لحضور أي اجتماع أو حوار سياسي مع الإطار التنسيقي، إلا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، يصر على عقد جلسات حوارية في القصر الحكومي تحضرها أطراف غير متخاصمة في ما بينها، وهو ما أرجعه محلل سياسي إلى رغبة من الكاظمي بمنع التصعيد، وإبقاء باب الأمل مفتوحا بقبول التيار في الحوار يوما ما، وفيما عزت بعض القوى المشاركة سبب حضورها إلى البحث عن مخرج للأزمة الراهنة.
ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إصرار الكاظمي على إجراء الحوارات بين الكتل والأحزاب السياسية، يهدف بشكل أساس إلى تهدئة الأوضاع ومنع أي تصعيد في المواقف السياسية والإعلامية، التي ممكن أن يكون لها تأثير سلبي على الشارع العراقي”.
ويبين الشريفي، أن “الكاظمي عمل وما زال يعمل على إشراك التيار الصدري في جلسات حوار الكتل والأحزاب السياسية، لكن هناك رفضا شديدا من قبل الصدريين لأي حوار من دون تحقيق المطالب التي أعلنوا عنها سابقا، وعلى رأسها حل البرلمان وتحديد موعد للانتخابات المبكرة”.
ويلفت إلى أن “جلستي الحوار لم تأت بأي حلول ملموسة للوصول إلى تفاهمات لحل الأزمة السياسية، لكن هذه الجلسات سوف تبقى مستمرة في قادم الأيام بهدف الوصول إلى الحلول من خلال تقديم التنازلات بين الأطراف السياسية”.
وكان مكتب الكاظمي أعلن، أمس الإثنين، انطلاق أعمال الجلسة الثانية للحوار الوطني التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال، بحضور الرئاسات وقادة القوى السياسية باستثناء التيار الصدري، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت.
وبحسب بيان لمكتب الكاظمي، “أكد المجتمعون أن تطورات الأوضاع السياسية وما آلت إليه من خلافات تحمّل الجميع المسؤولية الوطنية في حفظ الاستقرار، وحماية البلد من الأزمات، ودعم جهود التهدئة، ومنع التصعيد والعنف، وتبني الحوار الوطني؛ للتوصل إلى حلول، مشددين على ضرورة استمرار جلسات الحوار الوطني”.
وقرر المجتمعون “تشكيل فريق فني من مختلف القوى السياسية لرسم خارطة طريق وطني للحل، وبغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، وتحقيق متطلباتها بمراجعة قانون الانتخابات، وإعادة النظر في المفوضية، وجددوا الدعوة للتيار الصدري للمشاركة في الاجتماعات الفنية والسياسية، ومناقشة كل القضايا الخلافية، وضرورة تحقيق الإصلاح في بنية الدولة، ومراجعة أطر العمل السياسي وإصلاح التشريعات اللازمة، بما فيها مناقشة أسس التعديلات الدستورية.
من جانبه، يشير القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “قوى الإطار تحضر جلسات الحوار التي يدعو إليها الكاظمي لسبب واحد، وهو أن هذه القوى تريد حل الأزمة وتعمل على الوصول إلى تفاهمات بين كافة الشركاء السياسيين لإيجاد حلول وفق الأطر القانونية والدستورية”.
ويؤكد الهلالي، أن “مشاركة التيار الصدري في الحوارات أمر مهم وكفيل بحل الأزمة والوصول إلى حلول خلال اجتماعات القوى السياسية، خصوصا أنه لا يوجد أي مبرر للتيار الصدري بمقاطعة الجلسات التي تشارك فيها كل الأطراف السياسية”.
ويوضح “حتى الآن لم تتوصل الكتل السياسية إلى نتائج حقيقية لحل الأزمة، لكن هناك إجماعا على المضي نحو حل الأزمة السياسية من خلال الأطر القانونية والدستورية، خصوصا المتعلقة بقضية إجراء انتخابات مبكرة، وهناك اجتماعات جديدة سوف تعقد في قادم الأيام، لإكمال الحوارات والمفاوضات”.
يشار إلى أن الجلسة الأولى للحوار عقدت، في 17 آب أغسطس 2022، داخل القصر الحكومي بدعوة من الكاظمي أيضا، وحضرها رؤساء الكتل السياسية باستثناء التيار الصدري، فضلا عن الرئاسات والممثلة الأممية في العراق.
ونقلت “العالم الجديد”، في 18 آب أغسطس 2022، عن قيادي بارز في التيار الصدري، قوله إن عدم مشاركة الصدر أو من يمثله في اجتماع قادة الكتل السياسية في القصر الحكومي، يعود إلى رفضه بشكل نهائي أي حوار مع كافة الأطراف السياسية، وخصوصا قوى الإطار التنسيقي، وهو مصر على تنفيذ مطالب حل البرلمان وتحديد موعد للانتخابات المبكرة، من دون أي حوار مع القوى السياسية.
في السياق ذاته، يفيد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن الاتحاد “مع الإجماع السياسي الوطني، ولهذا نحن نشارك في أي اجتماع يهدف إلى حل الأزمة السياسية في العراق، ونحن داعمون لكل المبادرات التي تدفع نحو الحلول لا تصعيد المواقف ولهذا نشارك في اجتماع القصر الحكومي”.
ويتابع السورجي، أن “اجتماع القصر الحكومي الثاني، توصل إلى بعض النتائج التي هي خطوات أولى نحو حل الأزمة السياسية، المتعلقة بتشكيل لجان فنية بشأن تحديد موعد الانتخابات المبكرة وتعديل قانون الانتخابات وتغيير المفوضية، وخلال الأيام القليلة المقبلة ستباشر هذه اللجنة عملها ثم ترفع تقريرا إلى القيادات لمناقشته في اجتماع جديد”.
ويواصل السورجي، أن “مشاركة التيار الصدري في الحوارات أمر ضروري لحل الأزمة السياسية، خصوصا أنه عنصر أساسي في الأزمة الحالية وتواجده ضمن الاجتماعات سبب رئيس لنجاحها، ومساعي دفع التيار للمشاركة في الاجتماعات المقبلة ما زالت مستمرة وقائمة من أكثر من طرف سياسي”.
وبالتزامن مع جلسة أمس الإثنين، نشر الصدر تغريدة قال فيها مخاطبا أتباعه “استمروا على الإصلاح مهما حدث، فأنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون، ولن يحكم فينا (ابن الدعي) كائنا من كان”.
إلى ذلك، يخبر قيادي بارز في التيار الصدري، “العالم الجديد”، بأن “قرار مقاطعة التيار الصدري لاجتماعات الكتل والأحزاب السياسية نهائي ولا تراجع عنه، على الرغم من كل المحاولات والضغوطات من أجل المشاركة من قبل أطراف داخلية وحتى خارجية، فلا مشاركة بأي اجتماع سياسي إطلاقا”.
ويضيف القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “الهدف من الاجتماعات السياسية هو تسويف المطالب التي رفعها التيار الصدري، وعلى رأسها حل البرلمان والذهاب نحو الانتخابات المبكرة، فالإطار التنسيقي يريد انتخاب رئيس الجمهورية من أجل إكمال مشروع تشكيل حكومته، لكن هذا الأمر لم ولن نقبل به”.
ويشير إلى أن “استخدام ورقة الشارع من قبل التيار الصدري كان لسببين، الأول منع تشكيل أي حكومة من قبل قوى الإطار التنسيقي وفق المحاصصة والتوافق، والثاني الضغط على كافة الأطراف السياسية لتنفيذ مطالب الصدريين، ولا تراجع عن استخدام هذه الورقة في الأيام المقبلة لتحقيق المطالب ومنع تشكيل أي حكومة إطارية”.
ويمر العراق بأزمة سياسية خانقة بدأت تتفاقم بعد إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، حيث فازت الكتلة الصدرية بأعلى عدد من المقاعد البرلمانية بين بقية الكتل، ما أثار استياء الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى الشيعية المقربة من إيران والفصائل المسلحة، فطعن بالنتائج زاعما أن الانتخابات مزورة.
وسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية بالالتحام مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن المحكمة الاتحادية تلقت طلبا بتفسير المادة الدستورية المتعلقة بنصاب جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، فجاء التفسير مشترطا حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتحقق النصاب، ما مكن الإطار من تشكيل “ثلث معطل” أحبط أكثر من جلسة لانتخاب الرئيس والمضي في تشكيل الحكومة.
وفي إثر ذلك، قرر الصدر سحب نوابه من البرلمان، فقدموا استقالاتهم في 12 حزيران يونيو 2022، فسارع الإطار إلى شغل مقاعدهم وتكوين أغلبية برلمانية قادرة على تشكيل الحكومة، لكن الصدر قرر مواجهتهم بقوة الشارع، فقد اقتحم أنصاره مبنى البرلمان في 27 تموز 2022 ثم اعتصموا حوله، ما أدى لتعطله، إلى أن تطور التوتر إلى اشتباكات مسلحة داخل المنطقة الخضراء يوم الإثنين، 20 آب أغسطس 2022، استمرت نحو 24 ساعة قبل أن يوعز الصدر لأتباعه المسلحين وغير المسلحين بالانسحاب من المنطقة في غضون 60 دقيقة.