بادئ ذي بدء لا يمكن الهروب أو التهرب من واقع تلمسناه وذقنا مرارته أجمعين قبل ظهور قانون صورني وآني ما ادري، بآلاف السنين، كما هي ليست وحيا من السماء بل رؤية عشنا آلامها وتذوقنا طعم مرارتها، إذن رؤيتنا متأتية من واقع مر كوننا من الطبقة المسحوقة دوما.
(صورني واني ما أدري) شعار رفعه المسؤول قبل المتهكم عليه.. رفعه السياسي قبل المواطن البسيط ولكن التساؤل المؤلم، هو ما الضير في ذلك؟! فوعاظ السلاطين حاضرون ليبرروا كلمات السلطان وأفعال السياسي القبيحة، فما دام الله يقول في القرآن كل يوم هو في شأن فمن حق خليفته المبجل في الأرض ان يعيش او يعتاش على هذا القانون، وبذلك سيرتاح ضميره ويهدأ روعه وينسى او يتناسى ابناء شعبه المصلوبين في العراء.
تعلمت كما غيري على أيدي الكثير حقائق واكتشفت فيما بعد بانها خرافات، ولا زلت الى اليوم بدوامتي أؤمن بحقائق جديدة وألفظ أخرى، وما يدريني لعلي أكتشف الأخريات فيما بعد كأخواتها.
أنا فرد من مجتمع عراقي قل نظيره في تاريخ الأكاذيب، إذا لم يكن له نظير أصلا، فمجتمعنا مضحوك عليه من القاصي والداني، ولست اقصد الانتقاص من المجتمع العراقي فبالنهاية أنا منه، لكن للبيان وليس لوصمه بالعار، ولا أخفيكم سراً فانا منزعج كثيراً كحال الآخرين من استمرار الضحك علينا والانتقاص من قيمتنا بفضل ابناء جلدتنا، منزعج من الأذن العراقية فهي قيمية أكثر مما هي وظيفية، لذا فان الفرد العراقي اذا قلت له انت مخطئ يسمع انك تقول له انت غبي، ولا يختلف السياسي عن الآخرين بهذه الميزة وربما ينقلب عليك وحشا ضروسا بين لحظة وأخرى دفاعا عن الكرامة الموهومة. لكنه من جانب آخر يمارس الضحك علينا كل يوم بلافتة جديدة فكل ما يهمه ويشغل باله المريض هو البقاء في سدة الحكم.. أو سدة الضحك على الشعب بامتياز قل نظيره وبأعصاب باردة حد الثلج.
العين العراقية تختلف أيضا عن بقية العيون، فهي تنبهر للوهلة الأولى بأي استعراض سياسي أو دعاية انتخابية أو هزة تمس العقيدة لذلك يراهن السياسي عليها ليخرج علينا بحملته الجديدة مستغلا تخلف آذاننا وعيوننا وهو مؤمن بالنهاية انه سينتصر علينا ويضحك حد السقوط على قفاه.
أما أنوفنا التي اعتادت روائح الدكتاتوريات وانتهاك الحقوق ومصادرة الأصوات وتكميم الأفواه فإنها ساذجة هي الأخرى ولا تتعظ بروائح الديمقراطية الجديدة التي تمارس التلاعب بمصائرنا.
منزعج جدا من نتائج الانتخابات المقبلة لأنها ستعيد نفس الوجوه.. ولأن حملة (صورني واني ما ادري) ستؤتي أكلها، وما صراخنا الآن وتهكمنا إلا صراخ مؤقت سيزول يوم الانتخابات.
في يوم الوقوف أمام صناديق الاقتراع سوف نعلن للعالم اجمع أن من لا يدري ليس السياسي إنما نحن، وستتحكم بنا طائفيتنا وأعراقنا وتكتلاتنا وعشائريتنا وما يوم الانتخابات ببعيد.
* كاتب عراقي