صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حين يعود السلاح و(العقيدة) من الشام!

الحرب تقترب من النهاية. عواصم كبرى تعمل على تسوية تاريخية \”حقيقية\” في المنطقة، وهناك من يشي بما في قلب العواصم البعيدة بان تفويضاً مُنح لطهران بان تطلق كامل عقلانيتها و\”اعتدالها\” في مشروع ترتيب بيت المنطقة، بما يوائم استراتيجيات المرحلة المقبلة. 

\”الوشاية\” الصادقة تسربها قنوات دبلوماسية \”هادئة\”. ومثلما قالت بهدوء العارف ان \”مسقط\” التي لا تحبذ الضجيج في مواقفها، ظلت تستضيف على مدار عام محادثات سرية بين واشنطن وطهران، ولم تبلغ أية دولة من الجارات الخليجيات، ما أفضى إلى \”جنيف التاريخي\” والاتفاق بين ايرن والامم الست الكبرى. تؤكد ان حراكاً \”عاقلاً\” لبلورة اتفاق سياسي لا يدفع بالمنطقة الى مزيد من التهور، ويحتوي \”الغضب\” الكامن في بعض عواصم النفط الخليجي.

وبما ان الخوف كله، من تنامي قدرة تنظيم القاعدة في المنطقة، وبسطه الان اليد على اجزاء واسعة من الشمال السوري، بتقاسم المهمة بين \”داعش\” و\”النصرة\” ومحاولات خرق الخاصرة العراقية من جهة الصحراء الغربية، فالموقف يبدو محسوماً، فالمواجهة المقبلة ستكون بين الجهد النظامي في سوريا والعراق ودول معاداة التكفير في المنطقة، للجم \”جماح السيل\” القاعدة، وكرة النار المتدحرجة، والتي ستصل الى \”درعا\” وان وصلت هناك، فان نار حرب مغايرة واكثر شدة ستندلع.

لكن هناك مخاوف، اكبر من العدو البائن الصريح، تكمن في حملة السلاح العقائديين من الشيعة المقاتلين في الشام، في مهمة رمزية، قيض لها ان تكون \”محدودة\” دفاعاً عن مقام \”السيدة زينب\” لكنها تمددت لتكون مواجهة علنية مفتوحة على ارض بديلة. مجابهة تاريخية مؤجلة، فتحت مصاريعها الان.

المقاتلون العراقيون \”العقائديون\”، بعد تفكك \”الجيش الحر\” نتيجة عوامل كُثر، وتحول اغلب مقاتليه الى الفصائل المتشددة، المنتمية الى القاعدة، او تلك التي اشترتها السعودية مؤخراً بدءاً من \”لواء احرار الشام\” التركي – القطري التشكيل والتمويل، وانتهاءً بتشكيل ما يعرف الان بـ\”الجبهة الاسلامية\” والتي اعلنت الحرب والعداء على \”الحر\” فتحول الى فصيل مطلوب من قبائل عدة في المجهول السوري. يشعرون بنشوة نصر عجيبة، سُكرة زهو كبيرة، انعكست عليهم معنويا، وزيادة في التمويل، وانتقالاً من موضع جماعات \”تعاون\” الجيش السوري وتضبط مناطق \”مقدسة\”، الى شريك فاعل ومؤثر في معارك \”التطهير\” على الجبهات. واذا ما تحقق المراد الدمشقي في انهاء التمرد المسلح، فأن هولاء المقاتلين سيتحولون الى \”ابطال\” فاتحين، ومن ثم عبء ثقيل ينبغي تصريفه.

بعد العام 2008، مع بدايات الخروج من المأزق الطائفي في العراق، افرز الواقع الشيزوفريني المُر، مسلحين وامراء حرب، وقتلة مأجورين، وجماعات تغوّلت على القانون والمجتمع. ولم تكن الدولة العراقية حاضرة – فغيبوبتها مستمرة حتى اللحظة – لتعمل على برنامج اعادة تأهيل لعشرات الاف من المقاتلين الشيعة، ومثلهم من السُنة، هي استخدمت \”السُنة\” كصحوات في مليشيات مرخصة تساند القوى الامنية، فيما \”دمجت\” بعض الشيعة وحولتهم الى عسكر وشرطة. غير ان القسم الاخطر، لم يتم احتواؤه، وباتوا كـ\”مرتزقة\” يعتاشون على حلم حرب. السُنة عادوا الى القاعدة، والشيعة ذهبوا الى طهران ودمشق.

الحرب تقترب من النهاية. وسيعود السلاح و\”العقائديون\” الى العراق، عودتهم مخيفة ومرعبة، الاف لم يضبط عيارها المجتمعي، ولان \”النصر\” ان تحقق هناك، سيكون وبالاً علينا هنا، هذا البلد مكتوٍ من النار السورية، حرباً وسلما. فالخشية ان ينقل المقاتلون خبرتهم القتالية \”الجهادية\” الى العراق المهشم امنياً، ولان ضربات \”داعش\” تشتغل على مدار الوقت، فأن مبرر حمل السلاح هناك، سيكون ذاته مبرراً لحمل السلاح هنا. ولأن المؤسسة الامنية والعسكرية محشوة حتى آخرها بـ\”عقيدة طائفية\” فلن ينظر لهولاء على انهم \”عصاة\” و\”خارجين عن القانون\” في ظل غطاء سياسي وشرعي لهم. ومثلما اختزلوا سوريا المدينة، في مقام وعقيدة، سيختزلون العراق.

اكثر من 14 تشكيلاً عراقياً يقاتل في سوريا، تضم مقاتلين مهرة، متعصبين لعقيدتهم. واغلبهم عاطل عن العمل، وثقافته الاجتماعية والمدنية محدودة. النسبة الغالبة منهم من مواليد اواخر الثمانينات، عاشوا طفولة محرومة، قاسوا الفقر، والان يقاسون غياب خطط تنمية وخدمات، وسيعودون الى بلد مدمر تماما، تحكمه سلطة ضعيفة ومهادنة. لا تقوى على تطبيق قانون، ولا ملاحقة مسلح، ولا حلّ ميليشيا.

امراء الحرب السورية ان عادوا من \”الشام\”، سيكونون ابطالاً بين اهليهم. ولان الحمى الطائفية مرتفعة السقف في ظل التجاذب التكفيري المتبادل، فان هولاء سيطالبون بحظوة في السلطة، او الادارة، او ينقلون تجربة تشكيلاتهم الى الداخل، فنعود مجددا الى محنة المجاميع المسلحة المحمية بغطاء القدسية، والاسماء المصبوغة بعظمة الاله.

الدولة العراقية الفرحة الان، بأن العبء الامني من تيار الموالاة الشيعي انسحب الى سوريا ليقاتل هناك ويحمي جزافاً الحديقة العراقية، ستكون امام ورطة كبيرة حين يعودون، ولا يجدون سلطة ودولة انتجت برامج تأهيل واستيعاب ودمج اجتماعي. بالتالي سيتفرعنون على سلطة الدولة، وسنكون تحت حراب \”داعش\” و\”اخوة العقيدة\” على حد سواء.

إقرأ أيضا