إنَّ كلمات خطباء الجمعة الشيعة اليوم، 3 كانون الثاني 2014، ومع احترامنا لجميع مشايخنا الأجلاء من جميع الطوائف والأديان، جاءت في غير محلها وخارج السياق الديني الطقوسي تماما حين زجوا بأنفسهم في أمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد هو موضوع العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش والقوات الأمنية الأخرى في محافظة الأنبار.
من حيث المبدأ، فكل تدخل لرجال الدين، وباسم مرجعية ما، وخصوصا على منابر صلاة الجمعة، في الشأن العام، السياسي والعسكري تحديدا، ينبغي أن يكون ممنوعا قانونيا ودستوريا.
وإذا كنا قد آخذنا وانتقدنا قبل أيام رجال الدين في الجهة المقابل كالشيخ السعدي لأنه تدخل في الموضوع بعنف حين اعتبر الجيش العراقي جيش احتلال، ودعا إلى مقاومته بالسلاح، ومثله فعل الشيخ المفتي رافع الرفاعي الذي دعا المعتصمين علنا وصراحة \”للقيام بالمهمات القتالية\” ضد الدولة، واعتبرنا تصريحاتهما تحريضا طائفيا على العنف والتمرد، فمن باب أولى أنْ نؤاخذ و ننتقد ونرفض تدخل الشيوخ من المسلمين الشيعة كالقبانجي والنجفي والكربلائي وغيرهم على تدخلهم في الموضوع المشار إليه وتحويلهم صلاة الجمعة إلى مناسبة للتصفيق لقوات الجيش ودعوة الآخرين إلى تأييدها والتصفيق لها.
صحيح أن من حق أي مواطن أن يعلن تأييده للجيش وهو يقوم بحملة يقال عنها ولها الكثير ضد القتلة التكفيريين في وادي حوران وسواه، ولكن من الصحيح أيضا أن هذه العملية معقدة وقد امتدت إلى ميادين أخرى وأصبح الوضع المجتمعي والسياسي متوترا إلى درجة خطيرة، حتى صار أي كلام يصدر اليوم من رجل دين، لن يعتبر رأيا فرديا لمواطن عادي بل رأيا لجهة ومرجعية دينية وهذا أمر يزيد من التوتر وتعقيد الأوضاع.
لقد كان الأفضل والأسلم والأفيد للتهدئة ومساعي سحب فتيل الأزمة الراهنة أن لا يتدخل مشايخنا الأجلاء من الطائفتين كلتيهما في هذا الموضوع ويتركونه للسياسيين والعسكريين والنواب، مع استثناء النواب المعممين من هذا الحق فكلامهم قد يحمل على غير محمل وقد يعتبر كلام رجال دين لا رجال سياسة.
في هذا الصدد لدينا مثالان من عالم اليوم، الأول يأتينا من دول تحرص على الأمن والسلام لمواطنيها فأخذت بمبادئ دولة المواطنة والمساواة ومنع المؤسسات والشخصيات الدينية من التدخل في الشأن العام. ومن هذه الدول إيطاليا.
إليكم هذا المثال: قبل بضعة أعوام أصدر بابا الفاتيكان بيانا موجها إلى عمال العالم وعمال إيطاليا خصوصا، هنأهم فيه بمناسبة عيد العمال العالمي وقال كلاما انشائيا ذا طابع ديني .. وهنا قامت قيامة المجتمع المدني والمؤسسات النقابية والأحزاب السياسية على مختلف مشاربها واعتبروا بيان البابا تدخلا في الشأن العام و خرقا صريحا لحياد وعلمانية واستقلال الدولة عن المؤسسات الدينية، الدولة التي تمنع هكذا تدخلات بقوة الدستور والقانون. وبمجرد صدور بيان البابا خرجت تظاهرات استنكار وصدرت بيانات في هذه المناسبة ومنذ ذلك اليوم لم يعد البابا لمثل هذا التصرف وحسنا فعل.
المثال الثاني يأتينا من الدول التي حالها من حالنا ويقوم فيها نظام \”الديموقراطية الطائفية\” هاكم هذا المثال من لبنان الشقيق: قبل أيام قليل وجدتني أتابع عن طريق الصدفة عِظة أو خطبة البطرك الماروني المسيحي اللبناني بشارة الراعي بمناسبة عيد الميلاد على إحدى الفضائيات اللبنانية فكانت العِظة خطابا سياسيا من الألف إلى الياء بل أن البطرك الماروني جعل نفسه في موضع توجيه التحذيرات والإنذارات الى الرئيس اللبناني ميشيل سليمان، وهو ماروني بموجب نظام الحكم الطائفي، وقال له: أقول لك يا سيادة الرئيس، إياك والتفريط بصلاحيات الاستحقاق والمقام الرئاسي لأن في ذلك موت للبنان!.
ومعنى كلام البطرك هو أن مقام الرئاسة وصلاحيات الرئيس أما ان تكون مارونية 100% و أما أن يموت لبنان.. فأي بلد هذا الذي يموت بمجرد التلاعب بصلاحيات رئيسه؟.
بالعودة الى موضوعنا العراقي نجد أن الأكثر مدعاة للرفض والاستنكار هو تدخل رجال دين أجانب من بينهم خطيب جمعة طهران أحمد خاتمي الذي تطوع لتقديم (الشكر للحكومة العراقية على مواجهتها للإرهابيين) فما علاقة هذا الشخص بالموضوع؟ ألا يعتبر هذا الأمر صبا للزيت على النار؟.
كلمة أخيرة أقولها مع تكرار احترامي لرجال الدين الوطنيين الذين لم يزجوا بأنفسهم في حملات التحريض والتحريض المضاد: إن هذا البعض من الشيوخ \”الجنرالات\” من جميع الطوائف والأديان سيكونون بتدخلاتهم هذه السبب المباشر والأقوى بين جميع الأسباب في إحراق العراق ليجلسوا هم على تل من رماده، وسيحمل هؤلاء الإثم كل الإثم في أعناقهم عن سفك الدماء البريئة في قادم الأيام.. لذلك نستصرخ ضمائرهم، بما أن الدولة غائبة، ونناشدهم، رحمة بالعراق وأهله – يا مشايخنا الأجلاء- كفى تدخلا في الشأنين السياسي والعسكري.. فلم يبقَ في القوس منـزع والعراق في خطر!.
*كاتب عراقي