بعد الجدل الذي فجره مؤتمر الدعوة للتطبيع مع إسرائيل الذي عقد في أربيل، كشف قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، أن ترخيص عقد المؤتمر جرى على أساس كونه خاصا بالسلام، وفيما وصف ما جرى بـ”الفخ”، أكد مشاركة شخصيات مرتبطة بالفصائل المسلحة “الشيعية”، الأمر الذي نفاه نائب مقرب من هيئة الحشد الشعبي.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا المؤتمر عقد على أساس أنه مؤتمر للسلام وليس للتطبيع، وحكومة الاقليم لم تكن مطلعة على هذا الفخ الخائب الذي كان معدا من قبل تلك الشخصيات التي يعمل كثير منها داخل الحكومة العراقية، أو أعضاء في أحزاب متنفذة، فضلا عن مشاركة شخصيات لها ارتباط بالفصائل المسلحة“.
ويضيف زنكنة، أن “وزارة داخلية كردستان ستفتح تحقيقا بهذا الموضوع”، مؤكدا أن “المسألة لا تخص إقليم كردستان بقدر ما تخص الاحزاب التي أرادت ان تستفز الجانب الايراني المتمثل بشركائه وفصائله بالعراق وإحراج حكومة الإقليم“.
ويشير الى أن “هذا المؤتمر عقد في فترة لم يعد التطبيع مع إسرائيل فيها شيئا معيبا، حيث تبادر الدول العربية والإسلامية إلى التطبيع، ولكن إقليم كردستان يحترم القانون العراقي ولن يتجاوز عليه، وهذه الشخصيات المشاركة بالمؤتمر هي التي يجب ان تساءل حول هذا الموضوع“.
وعقد في أربيل أمس الأول الجمعة، مؤتمر ضم 300 شخصية عراقية “سنية وشيعية”، دعوا لأن يصبح العراق أحدث دولة ذات أغلبية مسلمة تنضم إلى قطار الدول المطبعة لعلاقاتها مع إسرائيل.
وأثار هذا المؤتمر جدلا كبيرا في العراق، سرعان ما واجهته الجهات الرسمية في الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ببيانات عاجلة، حيث أعلنت الحكومة الاتحادية عن رفضها “القاطع” للاجتماعات “غير القانونية”، من خلال رفع شعار التطبيع مع إسرائيل.
فيما حذرت رئاسة الجمهورية من محاولات تأجيج الوضع العام وتهديد السلم الأهلي في البلاد، مؤكدة موقفها الرافض للتطبيع مع إسرائيل، في حين قالت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، أن الاجتماع الذي عُقد في أُربيل تحت عنوان (السلام والاسترداد)، عُقد من دون علم وموافقة ومشاركة حكومة الإقليم، وهو لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن موقف حكومة إقليم كردستان.
كما أعلنت رئاسة اقليم كردستان عدم علمها بالاجتماع، ومضامينه مواضيعه، مؤكدة أن ما صدر عن الاجتماع ليس تعبيراً عن رأي أو سياسة أو موقف إقليم كردستان، مبينة ان أي موضوع أو موقف أو توجه مرتبط بالسياسة الخارجية هو من صلاحيات الحكومة الاتحادية وفقاً للدستور، وأن إقليم كردستان ملتزم في هذا تمام الالتزام بالسياسة الخارجية العراقية.
لكن من جانب آخر، فان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، رحب بدعوة بالمؤتمر، وقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن الوزير قوله، إن الحدث “يبعث الأمل في أماكن لم نفكر فيها من قبل“.
فيما شنت القوى السياسية الشيعية ولاسيما تلك التي تملك فصائل مسلحة، هجوما على تلك الخطوة، منتقدة أربيل التي احتضنت الحدث، متوعدة بـ”رد فعل” غير متوقع.
وقد دخل زعيم التيار الصدري على خط الأزمة، وقال في بيان له إن على أربيل منع هذه الاجتماعات”، التي وصفها بـ”الارهابية الصهيونية”، مهدداً “بالعمل شرعياً وعقلياً ووطنياً لمنع تجمعات المطبعين”، مطالبا الحكومة باعتقال “كل المجتمعين” في المؤتمر، ودعا أنصاره “لانتظار أمر التعامل مع النماذج القذرة الداعية للتطبيع” وفق تعبيره.
الرد
وحول مشاركة بعض الشخصيات المرتبطة بالفصائل المسلحة في المؤتمر، رد النائب عن تحالف الفتح احمد الكناني، وهو التحالف الذي يضم كافة الكتل السياسية الممثلة للفصائل المسلحة، قائلا “لا توجد معلومة مؤكدة عن مشاركة شخصيات مرتبطة بالفصائل في هذا المؤتمر”، لافتا “مع ذلك لا أبرئ أحدا“.
ويوضح الكناني، “إذا توجد هكذا شخصيات، فيجب كشفها وعدم إطلاق التهم بهذا الشكل، لكن إذا شاركت أي جهة من الفصائل بهذا المؤتمر، فاعتقد انها تمتلك الشجاعة لإصدار بيان براءة مما ورد فيه“.
ويتابع أن “المؤتمر يعتبر خرقا وغير مقبول، لا من الحكومة الاتحادية ولا من اقليم كردستان، ويجب على القضاء العراقي أن يتخذ الاجراءات بحق المشاركين فيه”، مضيفا أن “الحضور في المؤتمر، بعضهم خرج وقال انه لا يعلم بالموضوع الذي سيطرح وتبرأ منه، لكن من لم يتبرأ فهو شريك بما جرى“.
تطور سريع
في ظل الأزمة الكبيرة، وفي ساعة متأخرة من ليلة أمس، أعلنت وزارة الداخلية في الإقليم، أن حكومة إقليم كردستان ستقوم بمحاسبة منظمي اجتماع “السلام والاسترداد” الذي أقيم في أربيل، وإبعادهم لخارج الإقليم.
هذا القرار، تزامن مع إعلان مجموعة من الشخصيات العشائرية المشاركة في مؤتمر أربيل تراجعها عن فكرة “التطبيع مع إسرائيل”، وذلك عبر بيان تلاه صلاح مصلح شيخ عشيرة بو ذياب في حزام بغداد، أمام مجموعة من الصحفيين، قال فيه “نحن مجموعة من الشخصيات العشائرية من منتسبي الصحوات ومن مختلف المحافظات العراقية، وجهت لنا الدعوة بالحضور من قبل المدعو وسام الحردان على انه مؤتمر لإرجاع المفسوخة عقودهم من الصحوات ولزيادة رواتبهم، بالاضافة الى ضمهم إلى المؤسسات الأمنية الحكومية، لكن الذي حصل اننا فوجئنا بأن الموضوع مختلف تماما ولا علاقة له بالأسباب التي دعينا للحضور من اجلها“.
وحمل شيوخ العشائر في بيانهم المسؤولية الكاملة للحردان، مؤكدين انهم تلقوا تهديدات ولا يتمكنون من العودة الى مناطقهم الاصلية.
يشار الى ان الحكومة العراقية، دعمت في عام 2013 انتخاب الشيخ وسام الحردان، لرئاسة “الصحوات في العراق” بدلا عن احمد ابو ريشة، وذلك خلال وجود الولاية الثانية لنوري المالكي برئاسة الحكومة.
وقد أسست صحوات العراق عام 2006، وهي عبارة عن تشكيلات عشائرية في المدن السنية، قاتلت تنظيم القاعدة، الذي نشط في تلك المناطق بعد عام 2003، وتم دمج 20 بالمائة من عناصر الصحوات في القوات الامنية.
وفي ساعة متأخرة من ليلة امس، أصدر الشيخ وسام الحردان، بيانا استنكر فيه المؤتمر، قائلا “لقد حضرت الى المؤتمر الذي عُقِد في أربيل يوم الجمعة، تحت عنوان “السلام والاسترداد”، وكل التصور الذي احمله عن هذا المؤتمر، وكما أُخبِرت من القائمين عليه انه دعوة الى المحبة والتسامح بين ابناء الشعب العراقي بعد الانتصارات التي تحققت على الارهاب الداعشي، وعلى هذا الاساس قرات البيان الذي كُتِب لي دون معرفتي بمضمونه، ولكني تفاجات بزج الكيان الصهيوني وعملية التطبيع يتضمنها البيان، لهذا فاني في الوقت الذي استنكر مضمون البيان الختامي وما ورد فيه جملة وتفصيلا، واتبرأ امام شعبي وابناء محافظتي العزيزة وابناء عشيرتي من ذلك البيان وما ورد فيه، فاني اعتذر لكم يا ابناء شعبي العزيز ولكم ايضا يا ابناء الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب الاسلامية والعربية بسبب هذا البيان وحضوري المؤتمر“.
توقيت مقصود
الى ذلك، يبين المحلل السياسي يونس الكعبي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عقد هذا المؤتمر في كردستان ليس بالامر الغريب، نظرا لوجود سوابق مشابهة، حيث ان الأيادي الإسرائيلية موجودة هناك وبقوة، ويوجد في الاقليم من يريد فعلا التطبيع، ولكن الغريب ان شخصيات حكومية حضرت هذا المؤتمر ومنها موظفة في وزارة الثقافة وشخصيات عشائرية، كان لها صوت يلعلع سابقا وتذهب اليوم للتطبيع“.
ويردف الكعبي، أن “هذه المؤتمرات ستعود بالسوء على أصحابها، وهي لن تخدم العملية السياسية إطلاقا، كون الموقف العراقي واضحا ومعروفا، وهو ما لاحظناه من خلال ردود الافعال”، مبينا ان “توقيت هذا المؤتمر جاء بشكل خطير جدا، اذ ان الشعب بصورة عامة والطبقة السياسية بشكل خاص منشغلون بموضوعي الزيارة الأربعينية والإنتخابات، بالتالي فان توقيته مقصود بهذه الفترة، ولكن من يغامر بهذا التوقيت فهو بكل تاكيد سيخسر الكثير من جمهوره الانتخابي والشعبي“.
وحول مدى تأثير هذا المؤتمر على الانتخابات نتيجة لردود الفعل المحتملة، يوضح الكعبي “بالنسبة للانتخابات موضوعها محسوم ولم تبق على اجرائها سوى ايام، ومثل هذا الشخصيات الحاضرة في المؤتمر لا يمكنها إيقاف عملية مثل الانتخابات او التأثير عليها، والكل مستعد لهذا الموضوع حتى وان عقد هذا المؤتمر بوقت متزامن مع عملية الاقتراع“.
وكانت وزارة الثقافة، أصدرت من جانبها بيانا حول مشاركة إحدى موظفاتها بالمؤتمر، وأكدت فيه رفضها لعقد مؤتمرٍ للتطبيع مع إسرائيل على أرض أربيل، مبينة أن انعقاد هذا المؤتمر سابقةٌ خطيرةٌ تتعدى على الدستور ورأي الشعب العراقي، فيما نفت صلتها بالتصريحات التي صدرت عن إحدى الموظفات تدعِّي شَغلِها لمنصب في وزارة الثقافة، معربة عن أسفها الشديد للتقارير التي تداولها عدد من وكالات الأنباء عن البيان الذي ألقته الموظفة في قسم الإرشاد التابع للهيأة العامة للآثار والتراث دون أن تملك أي صفة تخولها للتحدث باسم الوزارة، وإنما شاركت في المؤتمر بوصفها عضواً في أحد التجمعات.