صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

خلافات بين بغداد وأربيل على الموازنة تعيد الحديث حول «تهريب النفط»

يبدو أن الخلافات بين بغداد وأربيل حول المقترح الجديد لقانون الموازنة، قد أعادت الحديث حول تهريب النفط من إقليم كردستان العراق، إذ تصاعدت الانتقادات النيابية، اليوم السبت، حول استمرار تهريب النفط من الإقليم بالمقابل عدم تسليم إيراداته الداخلية لبغداد، وانعكاس ذلك على سمعة العراق الدولية.

وقال عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية باسم الغريباوي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “الحكومة أرسلت تعديلاً جديدًا على القانون السابق بشأن كلف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان، حيث نص التعديل على تسجيل جميع الإيرادات النفطية للدولة العراقية لتتولى الدولة بعد ذلك منح المستحقات اللازمة”.

وأضاف أن “الإقليم لم يلتزم سابقًا بالاتفاقيات وهناك ديون متراكمة عليه يجب تسديدها”، مؤكدا أن “العقود النفطية التي أبرمها الإقليم كانت غامضة وغير واضحة ما يثير تساؤلات حول أرباح الشركات النفطية والمنشآت التي أُسست في الإقليم وعائديتها”.

وأوضح أن “هناك ملاحظات على مدد العقود حيث لم تكن محددة بشكل قطعي وكان الفصل فيها يتم عبر الشركات الاستشارية مما أدى إلى غياب الحوكمة”، مشددا على ” ضرورة أن يكون نفط الإقليم تحت إدارة شركة “سومو” الوطنية لضمان عدم تهريبه واستغلاله بطريقة غير قانونية”.

وأشار إلى “وجود ضغوط سياسية ودولية خاصة من الجانب الأمريكي حيث تسعى الشركات الأمريكية المتعاقدة مع الإقليم إلى تحصيل مستحقاتها بشكل رسمي رغم أن العراق سبق وأن كسب دعوى قضائية ضد هذه الشركات”، مبينا أن “هناك مبالغ مستحقة للعراق لدى الجانب التركي نتيجة مخالفات تعاقدية”.

ولفت إلى أن “الإقليم يحاول استغلال الموازنة وتهريب النفط لتسديد ديونه لهذه الشركات”، مضيفاً أن ” هناك اعتراضات قانونية ودستورية على التعديل القديم لقانون الموازنة وعلى الإقليم أن يلتزم بقوانين الدولة والدستور العراقي بما يضمن حقوق الجميع ويعزز الشفافية في إدارة الموارد الوطنية”.

إلى ذلك، أكد عضو لجنة النفط والغاز النائب عدنان الجابري، اليوم السبت، أن عمليات تهريب النفط المستمرة من إقليم كردستان تؤثر بشكل سلبي على سمعة العراق دوليا

وقال الجابري في تصريح  تابعته “العالم الجديد”، إن “وزارة النفط اكتشفت تهريب 220 ألف برميل يوميًا عبر الصهاريج، وهو ما يشكل تهديدًا لاقتصاد البلاد”، موضحاً أن “عمليات تهريب النفط من كردستان موثقة بشكل كامل”.

وأشار إلى أن “عمليات التهريب التي تقدر بحوالي 200 ألف برميل يوميًا تؤثر بشكل سلبي على سمعة العراق دوليًا، وتؤدي إلى فقدان الثقة في نظامه النفطي”.

وأضاف أن “تهريب النفط من الإقليم يعكس سوء الإدارة ويجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة، لضمان عدم استمرارها والحفاظ على حقوق الشعب العراقي في الثروات الوطنية”.

وتشير التقارير الرسمية إلى أن عمليات التهريب تسجل أرقامًا كبيرة، حيث يتم بيع النفط بأسعار تقل عن نصف قيمته في الأسواق العالمية وبكميات لا تقل عن 350 ألف برميل يوميًا دون أن يعود أي دخل منها إلى خزينة الدولة العراقية.

من جهة أخرى، اعتبر النائب عبد الهادي السعداوي، اليوم السبت، أن احتساب كلف إنتاج البرميل في نفط الاقليم بـ 16 دولارا رقم مبالغ فيه اسوة بكلفة انتاج نفط المحافظات الوسطى والجنوبية.

وقال السعداوي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “التعديل الذي أرسلته الحكومة لموازنة عام 2025 المتعلق باحتساب مبلغ استخراج برميل النفط الاقليم بـ 16 دولار مبلغ مبالغ فيه ولابد من مراجعته من قبل اللجان الفنية في وزارة النفط”.

وأضاف أن “التعديل سيواجه اعتراضا من قبل أعضاء المجلس كونه يشكل غبنا قياسا باحتساب استخراج نفط الوسط والجنوب بـ 6 دولارا”. 

وأشار إلى أن “العقود التي ابرمها الاقليم مع الشركات النفطية عقود مشاركة تختلف عن عقود التراخيص مع الشركات العاملة في نفط الوسط والجنوب”.

وبين أن “عقود المشاركة تشكل خسارة للنفط العراقي وعليه يجب مراجعة تلك العقود من قبل وزارة النفط الاتحادية”.

وجاء الخلاف بين بغداد وأربيل عندما تم تمرير مقترح جديد غير الذي أقرته اللجنة المالية النيابية وتم الموافقة عليه من قبل الحكومتين، سيما المادة 12 الخاصة باستئناف تصدير نفط إقليم كردستان.

وقال متحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هورامي في 23 كانون الثاني يناير الجاري، إن التعديلات الأخيرة لمقترح الموازنة قد تمت دون التشاور مع حكومة إقليم كردستان، و”إننا نُعلن رفضنا التام لهذه الإجراءات والمقترحات”، داعيا إلى “ضرورة طرح مشروع القانون المتفق عليه وإقراره من قبل مجلس الوزراء الإتحادي والتصويت عليه”.

لترد بغداد على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة الاتحادية باسم العوادي الذي نفى ما ورد ببيان هورامي، من إدعاء بأن ممثل الحكومة الاتحادية في مجلس النواب عرقل تعديل المادة الخاصة بإجراءات استئناف تصدير النفط من الإقليم في الموازنة، داعيا حكومة إقليم كردستان إلى الإلتزام بأحكام مواد قانون الموازنة العامة الاتحادية، بما يتضمن تسليم الإيرادات المالية، سواء النفطية أو غير النفطية، إلى الحكومة الاتحادية، وفقاً لما هو منصوص عليه في القانون وقرار المحكمة الاتحادية.

ويبقى ملف النفط والإيرادات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان أحد أكثر الملفات تعقيداً، حيث تتقاطع فيه الجوانب القانونية والسياسية، وبينما تسعى الحكومة والبرلمان لتسوية الإشكالات عبر تعديلات قانونية وإجراءات رقابية، يبقى الالتزام من جانب الإقليم محوراً أساسياً لضمان حقوق الموظفين وتعزيز الاستقرار في العلاقة بين الطرفين.

وشهدت الأجواء بين بغداد واربيل خلال الأيام الماضية، توترا و”حربا بالبيانات” بين إقليم كردستان ووزارة المالية الاتحادية، بشأن الخلافات على مبالغ الرواتب حيث لا تزال رواتب شهر كانون الأول 2024 لم يتم صرفه للموظفين في كردستان حتى الان، فبينما تؤكد وزارة المالية الاتحادية انها أرسلت أموال كردستان بالكامل فيما يخص الرواتب، تنفي مالية كردستان ذلك وتقول ان الأموال التي وصلتها من بغداد اقل من المبلغ المطلوب بحوالي 800 مليار دينار، ما يمنع توزيع رواتب الشهر الأخير من العام 2024.

وحثت خارجية الولايات المتحدة، في 15 كانون الثاني يناير الجاري، البرلمان العراقي على الإسراع في تمرير الموازنة الاتحادية للعراق.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في إيجاز صحفي بمقر الوزارة “لقد عملنا مع الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كوردستان، للتوصل إلى اتفاق موازنة دائم من شأنه أن يسهل إنتاج النفط المستدام في إقليم كردستان”.

وأضاف ميلر “شهدنا مراجعة تعديل الموازنة هذا الأسبوع ونحث على اعتماده بسرعة”.

وكان إقليم كردستان يصدر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي، لكن دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.

وتوقفت هذه الصادرات في آذار مارس 2023 بعدما أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أي تصدير لنفط الإقليم إلا من خلال شركة النفط التابعة للحكومة الاتحادية (سومو).

وبلغت قيمة الخسائر الناجمة عن توقف صادرات الإقليم من النفط 20 مليار دولار، بحسب تقديرات نشرتها “جمعية الصناعة النفطية بإقليم كردستان” (أبيكور) في أيلول سبتمبر 2024.

وكانت الحكومة الاتحادية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي قد عقدت اتفاقا مع حكومة إقليم كردستان أواخر العام 2019، يقضي بتسليم الإقليم 250 ألف برميل يوميا إلى شركة تسويق النفط “سومو” مقابل حصوله على حصته في الموازنة الاتحادية البالغة نحو 12 في المئة.

إلا أن بغداد قامت في نيسان أبريل 2020 بقطع حصة الإقليم بما في ذلك رواتب موظفي الدولة، بسبب امتناع الحكومة الكردية عن الالتزام بالاتفاق المسبق.

وكان معاون مدير شركة “سومو”، علي نزار، قد أعلن في تموز يوليو 2021، أن عدم التزام إقليم كردستان باتفاق “أوبك بلس” ساهم في تراكم تعويضات على العراق، فيما بين أن البرلمان منح الشرعية بعدم التزام الإقليم بالاتفاق، حيث أصبح البلد مطالبا بخفض 6 ملايين برميل شهريا بسبب عدم التزام الإقليم.

يذكر أن العراق متلزم باتفاق “أوبك بلس” لخفض الإنتاج، الذي أبرم في أيار مايو 2020، وقضى بتخفيضات قياسية في الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا لدول المنظمة الـ13، وجرى تقليص هذه التخفيضات تدريجيا إلى 5.8 ملايين برميل في اليوم في تموز يوليو 2021.

إقرأ أيضا