صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«خلية أزمة» في بغداد للتطبيع مع دمشق.. ومصدر يكشف الأسماء

عقب سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد بأيام، حاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إنهاء الارتباك في الموقف العراقي تجاه النظام الجديد في الجارة الغربية، عبر تشكيله خلية أزمة للتعامل مع هذا الملف الحساس وإدارة علاقة معقدة مع دمشق، في ظل رفض أطراف سياسية داخل الإطار التنسيقي للانفتاح على الأخيرة، وسط إشادات مراقبين بإنشاء تلك الخلية المكونة من زعامات سياسية ومسؤولين رفيعين للإسراع في إعادة الاستقرار إلى العلاقات الثنائية، درءا للمخاوف والتبعات التي قد تنجم عن ذلك المتغير الإقليمي الكبير.

ويكشف مصدر مطلع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن أن “السوداني، وبعد سقوط بشار الأسد، وما أعقبه من التباس للوضع في سوريا، قام بتشكيل خلية أزمة للتعامل مع دمشق وإدارة ملف العلاقات معها، تضم شخصيات سياسية وحكومية تتمتع بصلات جيدة مع تركيا الراعية للنظام الجديد في سوريا، وهم كل من وزير الدفاع ثابت العباسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ورئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، فضلا عن القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين الحجيمي”.

ويضيف المصدر، أن “حساسية ملف سوريا والتعامل مع حكومتها الجديدة في ظل رفض أطراف داخل الإطار التنسيقي (الشيعي)، دعت السوداني لتشكيل تلك الخلية”، مشيرا إلى أن “أبرز الرافضين هو زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي اتسعت قطيعته مع السوداني، مع اتخاذه تلك الخطوة”.

ويتابع أن “عمل الخلية ظل متواصلا في التنسيق بين بغداد وأنقرة ودمشق خلال الفترة الماضية، ما نتج عنه عدة لقاءات وزيارات كان آخرها، زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد، والتي نجحت في كسر الجليد بين البلدين، خصوصا مع صمت جميع الأطراف السياسية التي كانت تبدي رفضها القاطع لعودة العلاقات”.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، غلف الحذر موقف العراق في التعاطي مع الوضع الجديد في الجارة الغربية، وما أفرزه من قيادة جديدة للبلاد، فيما شهدت الساحة السياسية في العراق حالة من التشابك، مع تنصيب أحمد الشرع رئيسا لسوريا، الأمر الذي وضع البلاد أمام منعطف تتداخل فيه التوافقات الداخلية بالحسابات الإقليمية والتحديات الهيكلية.

وتعقيبا على ذلك، يقول المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “سوريا دولة مجاورة، وممر تجاري مهم من خلال إطلالتها على البحر، وهناك الملف الأمني الذي يبقى أهم من جميع الملفات، فعلى مدار سنوات كانت تغذي الإرهاب، وفي وقت لاحق عملت على تغذية خطوط أخرى وكسبت إلى جانبها فصائل زحفت فيما بعد للدفاع عن نظامها السابق”.

ويضيف المشعل، أن “الملفات بين العراق وسوريا عديدة وشائكة، وفي ضوء هذه المواقف المختلفة هناك من يقرأ سوريا كعدو، وآخر يقرأها صديق”، لافتا إلى أن “هذا التعقيد بالعلاقة، والتعقيد الأكبر الذي حصل بعد سقوط نظام بشار الأسد ومجيء الإدارة الجديدة، مع عدم وضوح ثوابتها السياسية يستدعي تشكيل خلية للتعامل معها”.

ويعتقد أن “من مصلحة العراق إقامة علاقات إيجابية بسوريا، لكن أن تكون علاقات مشوبة بحذر تقوم على أساس تبادل المصالح بين البلدين”، لافتا إلى أن “خطوة السوداني باستقبال وزير خارجية سوريا وتشكيل خلية للتعامل مع الملف السوري من كبار المسؤولين أمر إيجابي، خصوصا وأن اللجنة بقيادة وزير الخارجية فؤاد حسين وهو شخص معروف باعتداله وسعيه الإيجابي لتطوير العلاقات مع دول الجوار والعالم”.

ويستدرك أن “الإشكالية تتعلق بالأطراف الموالية لإيران التي كانت تتمتع بعلاقات مع نظام الأسد، فهي الآن ضد هذا التوجه، واعتقد أن اللحظة التاريخية للعراق الآن والضغوطات الدولية تدعو الجميع إلى التزام الصمت تجاه خطوات الحكومة التي تشتغل على أساس تمثيل دولة وليس طرف ما، لأن بناء العلاقات مع سوريا أمر مفروض في ظل الضغوطات العربية والدولية لاسيما الضغوط التركية على العراق بتحسين هذه العلاقة”.

ووصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الجمعة الماضي، في زيارة رسمية إلى بغداد لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعد هذه الزيارة الأولى لمسؤول سوري رفيع في الحكومة الجديدة إلى العراق بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث التقى برئيسي الجمهورية والوزراء وشارك في مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين.

وعد مراقبون في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، زيارة الشيباني إلى بغداد تحولا مهما نحو إعادة بناء العلاقات العراقية السورية التي ارتبكت بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفيما رأوا أن العراق يسعى لمساعدة سوريا في استعادة أمنها واستقرارها، لإيقاف أي تدهور محتمل، توقعوا أن تمهد الزيارة لحضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بغداد.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وجود رفض شيعي للتطبيع مع حكومة الشرع، وتحديدا من الفصائل أو الجهات التي ترى في أن تغيير النظام السوري لم يكن في صالحها، سيبقي الأمر صعبا”.

ويشير الدعمي، إلى أن “هذه الأطراف الرافضة ستكون سببا في عرقلة أي علاقة للعراق مع أي بلد آخر لا يتفق معهم في المنهج أو لا ترضى عنه مرجعياتهم السياسية وفي مقدمتها سوريا، وما لم تضعف هذه الجهات وتنكفئ داخليا ويتم إبعادها عن المشهد السياسي فإن أي علاقة لن تتسم بالنجاح”.

ويجد الدعمي، أن “رئيس الوزراء مهما فعل فإنه لن يستطيع السير بتحسين العلاقات مع سوريا بالشكل الذي يريده، ولكن بالنتيجة فإن وجهة نظر السوداني بتحسين العلاقة مع سوريا شيء إيجابي ولمصلحة العراق، لاسيما وأن سوريا بلد مجاور يحد العراق بحدود طويلة تصل إلى 650 كلم، وتربطه به روابط اجتماعية واقتصادية عديدة”.

وكان وفد رسمي عراقي برئاسة حميد الشطري رئيس جهاز المخابرات وصل بشكل مفاجئ إلى دمشق في كانون الأول ديسمبر الماضي، وذلك عقب أيام على سقوط نظام الأسد، حيث التقى إدارتها الجديدة، في “تأكيد على موقف العراق الثابت بعدم التدخل بالشؤون الداخلية السورية، والتأكيد بأن الحكومة العراقية لن تسمح للفصائل المسلحة العراقية بأي تدخل مستقبلا في سوريا، مقابل عدم تحرك الجماعات المسلحة نحو العراق وضبط الحدود بشكل جيد من داخل العمق السوري”، بحسب مصادر مطلعة.

وأعلن السوداني، في 22 كانون الأول ديسمبر الماضي، أن حكومته بادرت بإجراء اتصالات وزيارات مع الدول الشقيقة، وأطلقت مبادرة لإرساء الأمن في سوريا، وقدمت ورقة عراقية في مؤتمر العقبة بالأردن بشأن سوريا، وحظيت بترحيب جميع الأشقاء.

إلى ذلك، يرجح المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “يكون الهدف من تشكيل هذه الخلية هو التنسيق الأمني الذي ربما يتطور إلى تنسيق اقتصادي مستقبلا”.

ويرجع الهلالي، أسباب تشكيل تلك الخلية إلى “حساسية الملف، لاسيما أن المنطقة ملتهبة، والعراق يخشى من تدهور الأوضاع في سوريا والقلق من انعكاسها سلبا إلى الداخل العراقي”، لافتا إلى أن “كل الجهود التي قامت بها الحكومة خلال الفترة الماضية هي من أجل أن لا ينخرط العراق في أي صراع إقليمي”.

ويخلص إلى أن “العراق يحاول الآن أن يستثمر الدبلوماسية وإمكانياته وعلاقاته من أجل أن لا تكون هناك أي تداعيات سلبية في دمشق من الممكن أن تؤثر على بغداد”.

إقرأ أيضا