مرّ أربعاء دامٍ آخر، حين طل الإرهاب ليغرز مخالبه وليطعن طعنته النجلاء في جسد بغداد ومن ثم يلوذ بالفرار مُكللا مسعاه بالنجاح بإضافته رقما إلى أعداد الأرامل واليتامى بعد أن حصد أرواح الأبرياء بحصيلة تجاوزت مائة قتيل وجريح، وربما ستكون جراح بعضهم عصية على الشفاء فتجعلهم رقما جديدا في جيش المعوقين.
الأجهزة الأمنية القليلة الحيلة والعدة والعاجزة عن لجم جماح هذا الغول الدموي المريع ما زالت تعتمد في مكافحته وقتاله على جهاز كشف كرات الغولف أو ما يعرف بالـ(ADE 651) الذي يقضي مورده البريطاني جيمس مكورمك عقوبة السجن لمدة عشر سنوات بعد أن أدانته محكمة بريطانية بتهمة الغش وأثبت الجهاز فشله بشهادة خبراء مختصين.
الغريب والمؤلم أن هناك حملة عسكرية (ثأر الشهداء) تنفذ في مناطق حزام بغداد لملاحقة المجاميع الإرهابية. وجاء على لسان العميد سعد معن المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد أن هذه العملية تشهد نجاحات في تحقيق أهدافها المرسومة على المستوى الميداني. ولا أعرف هل هذا الزخم من التفجيرات التي باتت تضرب العاصمة بالذات بصورة شبه يومية هي من قطاف النجاحات التي تحققها هذه الحملة؟! وهل لهؤلاء القدرة على الانسلال خلف قطعات القوات الأمنية المتجحفلة والباحثة عنهم في مناطق حزام بغداد لينفذوا هذه الهجمات في مناطق يتم اختيارها بعناية لتزيد من غليان الشارع المُحتقن طائفيا بسبب الانتكاسات التي تشهدها العملية السياسية وما تموج به المنطقة المحيطة بالعراق من صراع طائفي كشر عن أنيابه بوضوح في الآونة الأخيرة؟!
وما يدعو إلى التعجب والاستغراب بعد الحصيلة المؤلمة للتفجيرات التي شهدتها العاصمة الأربعاء الماضي, أننا من المفترض أن نشهد علاقة عكسية بين الإجراءات الأمنية وعدد الهجمات التي تستهدف داخل بغداد وقاطنيه. أي زيادة يقابلها نقصان. وما نعنيه هنا أن زيادة الاحترازات الأمنية من نصب نقاط تفتيش أو استحداثها وغلق طرق وفرض حظر على التجوال وعمليات أمنية أخرى ينبغي أن يقابلها أقل عدد ممكن من الهجمات، ولا نقول انتهاءها, ولكننا نرى الزيادة تقابلها زيادة! ومع هذا فان المنطق هنا ربما يقول إن التقليل من هذه الإجراءات سيؤدي إلى عواقب كارثية ودموية.
تدعيم النجاحات الأمنية يحتاج إلى إستراتيجية دقيقة لاستمرارها وجهد استخباري استقصائي يعمل بشكل احترافي ومهني، ويبادر إلى ضربات استباقية تُطيح بالعقل المدبر للعمل الإرهابي وتعطي إشارة واضحة إلى من يروم القيام بهكذا أعمال أنك في مرمى نيراننا أو ستكون الرأس الذي نطيح به في المرة المقبلة, وفي ذات الوقت فان على الجهد الاستخباري أن يضطلع بدور الرقيب الذي يشخص الهفوات ونقاط الضعف الموجودة في النجاحات الأمنية نفسها، وإلا فسنكون دائما منتشين ومطمئنين باستقرار أمني هش قصير الأمد تعقبه موجات عاتية من الهجمات الإرهابية تهلك الحرث والنسل معا.
* كاتب ومترجم عراقي