صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

داعش.. أسرار اللعبة في أيدي أمريكا!

لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أي دولة في الشرق الأوسط إلا وحولتها الى خراب وفوضى عارمة، هكذا فعلت في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن. فالطوائف المختلفة التي تعايشت في سلام باتت تذبح بعضها وأدت إلى موت وتشريد الملايين.

 

فالمتابع لما تتعرض له سوريا والعراق من هجمة إرهابية شرسة للتنظيم الإسلامي \”داعش\” بطريقة متقنة من جميع الجوانب، وما يرافقها من دعم الإعلام العربي والدولي، لابد وأن يصل إلى قناعة أن هذه الحملة المنسقة لا يمكن أن تكون من صنع هذا التنظيم وحده، بل حكومات إقليمية ودولية غربية، وبالأخص إدارة أوباما، وأن هذا التنظيم المسلح من صنع هذه الحكومات لتوظيفها كقوة ضاربة ضد أية حكومة في العالم تخرج على سياسات هذه الحكومات.

 

كل ما يجري اليوم في العراق هو من صنع أمريكا، وسبب تردد أوباما في دعم العراق هو لمنح داعش الوقت الكافي لاحتلال أكبر مساحة ممكنة من العراق لتضمن مصادر بقائها من جهة، ومن ثم إقناع إيران للتورط في المستنقع العراقي، والغاية الأخرى من هذه الحملة هي تجزئة العراق، وهذه اللعبة تعني أن أمريكا تريد الانتقام من إيران، كما انتقمت من سوريا، لأن سوريا وإيران جعلتا العراق مستنقعاً لأمريكا بعد عام  2003، وإن صح ذلك، فهذا يذكرنا بنجاح أمريكا والدول الغربية الأخرى في جر الإتحاد السوفيتي إلى المستنقع الأفغاني، الأمر الذي استنزف الاقتصاد السوفيتي إلى حد الانهيار.

 

وهذا يجعلنا نطرح هذه الأسئلة: لماذا سمحت أمريكا لتنظيم داعش بالتمدد؟ ولماذا سمحت بإقامة خلافة إسلامية بجوار حليفتها إسرائيل؟ لاسيّما أن أمريكا كان تبادر إلى قتال أي محاولة لتنظيم القاعدة بإقامة أي كيان له في المنطقة، فليس معقولاً أن تتخلى أميركا عن هيمنتها، وتترك المنطقة ترسم مستقبلها بنفسها، وليس صحيحاً أن أميركا تعبت من التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى، فوجود إسرائيل والنفط والثورات لا يسمح لأميركا بالتخلي عن المنطقة، أو تغيير الإستراتيجية فيها.

 

وعليه، نفهم غض أميركا والغرب النظر عن حرب تنظيم داعش، بأنها وجدت الجهاديين والثوار يصفّون بعضهم من جهة، ويقاتلون الأسد وحزب الله وإيران من جهة أخرى. فمهما كانت النتيجة فالغرب هو الرابح، وبالتالي تدمير سورية والعراق من الداخل، لأنها تدرك أن سورية والعراق قادرتان على قيادة المنطقة والصراع ضد إسرائيل، طبعاً ليس في ظل النظامين القائمين، بل تخشى من القادم، لذلك تعمل على تدميرهما وإضعافهما في المنطقة حتى لا تقوم قائمة للعرب، بالإضافة إلى ابتزاز الأنظمة العربية الأخرى، وهذه الأنظمة ستخشى من تمدد التنظيم، وستستمر بتسليم قرارها للأميركان، حتى يحموها مما يجري في المنطقة، وليس أدل على ذلك من خنوع الأنظمة العربية تجاه ما يجري اليوم في غزة، فهم لا يجرؤون على مجرد الكلام، لأنهم يخشون أن يكون كلامهم مخالفاً للرغبة الأميركية، فضلاً عن رسم خريطة سياسية للمنطقة، تبدأ بتقسيم العراق لثلاث دول، كما تهدف الى زيادة الصورة المشوهة للإسلام في العقل الغربي، بتصوير المسلمين همجاً يقتلون بعضهم، وعدم قدرتهم على بناء أنفسهم ودولهم، وسعيهم إلى سفك الدم من أجل الدم، ومحاربتهم أدنى مقومات حقوق الإنسان.

 

وقبل أيام شعرت الولايات المتحدة بواجب التدخل في العراق، ولكن ما الذي جعل الرئيس الأمريكي يتحرك في هذه المرحلة الراهنة هل هي حقا المخاوف من حصول إبادة جماعية في العراق؟ ألم يسمع بما فعله داعش في الموصل طوال أكثر من شهرين، وما يواصل ارتكابه من مجازر وجرائم ضد الإنسانية في سوريا طوال عامين؟ وهل الطائفة الأيزيدية التي أشار إليها في خطابه باعتبارها اقرب إلى قلبه من المسيحيين أو غيرهم من الأقليات؟

 

ومن هنا أرى أن التحرك الأميركي جاء لاعتبارات لا علاقة لها بإنقاذ الأقليات الدينية أو العرقية، أو بهدف القضاء على داعش أو حتى إضعافه.

 

الواقع أن أربيل هي العاصمة الإقليمية لأكراد العراق الذين أثبتوا أنهم حلفاء رئيسيون لواشنطن وسيكونون محوريين في أي مخططات لإعادة العراق إلى دولة ناجحة، كما أن لدى الولايات المتحدة وأكراد العراق تاريخاً طويلاً ومعقداً قد يلعب دوراً في موقف كهذا، بالإضافة الى إعلان شركات نفطية غربية كبرى سحب موظفيها من شمال العراق بسبب تقدم داعش، ما يعني تأثيرا مباشراً في إمدادات النفط، فضلاً عن أن سقوط الإقليم الكردي يفتح الطريق أمام داعش لتهديد دول مجاورة، في شرق العراق وشماله، ما يحوله إلى خطر إقليمي مباشر للمصالح الحيوية الأمريكية، ولهذا الأسباب سارع أوباما لشن هجوم متواضع على حليفه \”داعش\”.

 

وأخيراً، نؤكد للرئيس أوباما، وكل من استخدم الوسائل الداعشية لتنفيذ الأعمال الإجرامية في سوريا والعراق، أن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، وأن كيدهم سيرتد إلى نحورهم، وكما يبدو أن هؤلاء المراهنين لم يعرفوا طبيعة الشعب السوري والعراقي وسايكولوجيته الاجتماعية، فالشعب السوري والعراقي يرفض الإملاءات الخارجية عليه، ويرفض الذل والمهانة والخنوع، وهنا أقول إن الغرب وإسرائيل هما المسؤولان أولا وأخيرا عن معاناة الشعوب العربية عبر إتباع سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات والمشاريع سارية المفعول، إذ يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد.

 

* د. خيام الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا