أعلنت المفوضية العليا للانتخابات على موقعها الالكتروني ان عدد الكيانات المسجلة لديها لخوض الانتخابات البرلمانية بلغ 277 كيانا, انسحب منها بعد التسجيل أربعة من بينهم القائمة التي يرأسها موفق الربيعي. وسنعرف حتما فيما بعد أسباب هذا الانسحاب المفاجىء.
أتخيل رئيس الوزراء، الذي سيخوض أصعب معاركه وأشدها شراسة، وقد علق على جدار غرفة خلفية في مكتبه خارطة كبيرة الحجم للعراق ودول الجوار. على الخارطة غرزت دبابيس بألوان مختلفة، تماما كما يفعل الجنرالات أثناء الحروب وهم يؤشرون بالدبابيس الى جبهات القتال وتحركات القطعات ومواضع الاعداء وتحصيناتهم.
على خارطة العراق، خصصت الدبابيس الحمر، كما هي العادة في كل العهود، للديمقراطيين. وبصرف النظر عن حجمهم ومدى تأثيرهم على الألوان الأخرى. هم خط أحمر، ولسبب ليس لنا بالضرورة ان نفهمه، ولعلها عقدة تاريخية مستعصية رغم تبدل الأزمان.
الدبابيس الصفر هي للآخر المختلف، وهو موضع رقابة دائمة وتحركات نشطة لعقد صفقات جانبية مع أجزاء منه لقضمها او التوافق مع أجزاء أخرى. والدبابيس الزرق للكرد الذين لا ينبغي ان يسمح لهم مرة أخرى بأن يصبحوا بيضة القبان.
اما الدبابيس الخضر فهي بطبيعة الحال تخص (جماعتنا)، وبعضهم لا يؤتمن وقد يغدر بنا في اللحظات الأخيرة، لذا ينبغي الانتباه كي لا تعقد الصفقات من وراء ظهرنا. كما ينبغي ايلاء اقصى الاهتمام بوجهاء المجتمع مثل رؤساء العشائر والشخصيات الدينية المرموقة، اذ ان كسب الرأس يجر بالبقية الى جانبنا.
على الخارطة ايضا دبابيس بلا لون لأننا لم نتبين بعد الوانها وأهدافها.
نعرف ان بعضا منهم له دوافع تافهة من قبيل الحصول على امتيازات ووجاهة المنصب البرلماني، وهؤلاء يمكن معالجة أمرهم بسهولة، لكن لا ينبغي التقليل من شأنهم رغم تفاهة مراميهم لأنهم سوف يصوتون لنا في جلسة التصويت على رئاسة الوزراء. هناك ايضا كيانات سياسية تابعة لنا، لكنها سوف تدخل تحت تسميات مغايرة، والهدف منها امتصاص جزء من الكتلة التصويتية التي لن تصوت لنا لأسباب عديدة، ويمكن ان تصوت لكيانات ترفع لافتات مختلفة عنا. ويتبقى طيف متنوع من الأعداء والطامعين والمغامرين والمدسوسين من أطراف أخرى، لذا لا بد من معرفة ألوانهم كي نعرف سبل التعامل معهم.
أحسب ان خرائط مشابهة معلقة ايضا على جدران الغرف الداخلية لسفارات الدول الكبرى ودول الجوار، ومثلها موجود ايضا في قصور ومكاتب لساسة عراقيين وغير عراقيين في اسطنبول وطهران وعمان وبيروت ودبي وغيرها من العواصم.
ما يلفت النظر في خارطة الانتخابات هذه دخول رجال الأعمال مباشرة على الخط، بعد ان ظلوا يلعبون دورا يتخفى وراء أسماء لسياسيين آخرين. لقد وجدوا، على ما يبدو، ان الأوان قد آن لتزاوج رأس المال بالسلطة دون اللجوء الى وسطاء. والمخزي في هذا الأمر ان بعضا من هؤلاء هم من لصوص المال العام الذين أفلتوا ليظهروا في هذه الدولة او تلك بصفة رجال أعمال.
وما زالت معركة الألوان في بدايتها، وكل ما نتمناه الا يدوس المتنافسون على دمائنا وهم يتزاحمون على بوابة البرلمان.