ما الذي سيحدث في سورية؟ سؤال مجهول الاجابة، وقد تكون اجاباته حاضرة بقوة، لكنها بالمجمل متشائمة وسوداوية، ولا تشير الى انفراج بعد ان كانت بوادر هدوء على الجبهة باتجاه عقد \”جنيف 2\” الذي تأخر كثيرا، و\”ربما لن يعقد ابدا\” على حد قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حال وجهت واشنطن ضربة عسكرية لدمشق.
اوباما المتردد بشأن الضربة، والذي خفتت تصريحاته على اثر فشل حليفه البريطاني ديفيد كاميرون بانتزاع موافقة مجلس العموم الاسبوع الماضي، عاد مجددا الى الشعور بالانتشاء، أمس على اثر نجاح وزير خارجيته جون كيري باقناع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي (الكونغرس) بتوجيه ضربة عسكرية محدودة لسورية على أن لا تمس ايران وحزب الله، باغلبية 10 اصوات من اصل 17 صوتا.
\”العالم الجديد\” ترصد مواقف الصحافة الاميركية التي استعادت ذكريات مؤلمة عن فيتنام واخرى \”مخزية\” عن العراق، بشأن استخدام الاسلحة الكيماوية.
ويقول مارك سيلفا، وهو محلل سياسي في شبكة بلومبيرغ الاميركية، ان \”الدروس المستقاة من فيتنام قد انصهرت على ما يبدو مع دروس العراق، وهي تختلف تماما في بعض الاحيان، واحيانا أخرى تتماثل، وتبرز بوضوح اليوم، حيث تعتزم الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري في سورية\”.
ويطرح تساؤلات اشبه باللوم لصناع السياسة الاميركية الحاليين، بأنه \”لو تدخلت الولايات المتحدة حين قصف الرئيس العراقي صدام حسين شعبه بالأسلحة الكيماوية، كما يقترح المحللون اليوم، لما أجبرت الولايات المتحدة على قتاله في الكويت في عام 1990 أو خوض حرب استمرت عشر سنوات من عام 2003 لغرض تحقيق الاستقرار في وطن ممزق اثنيا بعد إسقاط زعيمه\”.
ويستعيد صورة التدخل الاميركي في العراق، \”لو كانت المخابرات الاميركية أكثر استنارة بشأن أسلحة الدمار الشامل، ربما عاش 4500 أميركي وأعداد لا تحصى من العراقيين كذلك\”.
وفيما يخص فيتنام \”لو فهمت الولايات المتحدة التكلفة التي تلزمها لخوض نزاع مفتوح لا نصر فيه بفيتنام مع غياب استراتيجيات واضحة أو أهداف، لربما عاش 58 الف أميركي – وربما مليون فيتنامي – ليروا يوما آخر\”.
ويجد أن البيت الأبيض الآن يمضي قدما تحت شعار \”لا أحذية للجنود على الأرض\”، وتعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل بحملة عسكرية برية في سورية لـ\”تفادي الخسائر البشرية التي تكبدها الولايات المتحدة في فيتنام أو العراق\”، لكن هذا الضمان الاوبامي للكونغرس لا يكفي فـ\”الكونغرسيون يطالبون بأهداف وجدول زمني للرد على نظام بشار الأسد\”.
ولعل اوباما يشعر بالارتياح لاول مرة ما يخص الاراء التي يؤمن بها السيناتور الجمهوري المتعصب جون ماكين، الذي يشدد على ان \”الكونغرس اذا لم يصوّت فإن التأثيرات المترتبة على اوباما، وعلى الرؤساء الأميركيين اللاحقين سوف تكون كارثية\”.
ويبين سيلفا، ان كلا من كيري وماكين محاربان شديدان في حرب فيتنام، فكيري كان قائدا للقوارب الحربية السريعة ونال نجمتين فضية وبرونزية، لكنه ترك الحرب احتجاجا على التورط الاميركي فيها، بينما ماكين، كان طيارا انتحاريا في البحرية، وعانى لخمس سنوات ونصف في الأسر بفيتنام الشمالية بعد إطلاق النار على طائرته فوق هانوي، وبـ\”الكاد تختلف قصص الحرب لديهما، واليوم يرون سورية بذات العين ويرجع السبب في ذلك لتجربة العراق كذلك\”.
فيما يكتب ستيف كول، مراسل شؤون الامن القومي الحائز على جائزة بوليتزر، ويشغل حاليا منصب عميد كلية الدراسات العليا في الصحافة بجامعة كولومبيا مقالا بعنوان \”عبور الخط\”، في مجلة نيويوركر، إذ يقول \”في وقت مبكر من العام 1987 قرر صدام حسين، أن يخلي عشرات القرى الكردية، من أجل تقويض قوة المتمردين الانفصاليين، حينها أصبح العراق أول دولة في التاريخ تسقط قنابل الغاز على مواطنيها، وقد استمرت الحملة عامين وقتلت آلاف الناس\”.
ويجد ان \”قرارات إدارة ريغان (حينها) في التساهل مع انحرافات صدام فشلت فشلا أخلاقيا هائلا، وباتت خطأ استراتيجيا، بل أنها شجعت صدام على العدائية والقمع الداخلي، وأنها أظهرت القيمة التكتيكية للحرب الكيمائية لطغاة المستقبل\”، لذا يجد ان \”العواقب غير معروفة لتساهل مماثل في سورية\”.
كيري تصدى للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والتي واجهها لأول مرة حين كان شابا ومن قدامى محاربي فيتنام المحتجين، ثم لاحقا ترأسها كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية ماساشوستس، لعرض قضية الهجوم على سورية، وانظم اليه وزير الدفاع تشاك هيغل، وهو ايضا من قدامى محاربي فيتنام، حيث خدم في سلاح المشاة، وعاد الى وطنه مقلدا بقلبين ارجوانيين. – (وهو وسام تمنحه الولايات المتحدة باسم الرئيس لكل من يجرح او يقتل اثناء خدمته في الجيش الاميركي).
ويعود سيلفا بالذاكرة الى جلسة الإقرار لكيري بالمنصب الوزاري في كانون الثاني الماضي، حيث علق حول تغير العالم منذ حرب فيتنام انه في عام 1971، و\”خلال وقت منقسم وصعب لبلدنا، اليوم لا يسعني إلا أن أدرك أن العالم نفسه كان أبسط، ثنائي الاستقطاب مع طرفي خصوم الحرب الباردة، لكن عالم اليوم أكثر تعقيداً من أي شيء شهدناه\”.
ويعلق سيلفا أن \”القتال في الحرب الأخيرة (العراق وافغانستان)، لم تثبت أبدا نجاحا في الشؤون الدولية أو الداخلية، كما يمكن أن يشهد كلا من ماكين وكيري، ما يترك لإدارة أوباما والكونغرس بمهمة التعامل مع سورية بمعطياتها الخاصة\”.