ملفات الشرق الأوسط، وبينها ما يتعلق بالعراق وإيران والحرب التي تشنها إسرائيل، هي أكثر ما يشغل الرأي العام عقب فوز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية بعد أربع سنوات ذهبت فيها للحزب الديمقراطي.
وفيما رأى مراقبون أن السياسة الأمريكية لن تتغير تجاه تلك الملفات وأن الضغط سيستمر على كل من العراق وإيران، مقابل تقديم الدعم لإسرائيل، رجح آخرون أن يهتم ترامب بالشأن الداخلي للولايات المتحدة في هذه المرحلة، ومنح مستشاريه ووزير خارجيته صلاحيات إدارة الملفات الخارجية، مع محاولاته لإنهاء الحرب.
ومن واشنطن، يقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرئيس الأمريكي الجديد لن يقوم بتغيير شيء فيما يخص ملفات الشرق الأوسط، باستثناء القوة الخشنة التي يمارسها لتنفيذ تفاصيل ما فشلت الإدارة الحالية في تنفيذه من خلال انتهاجها سياسة القوة الناعمة، ومنها مساعدة الدولة العراقية في تفكيك الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة والتحكم أكثر بحركة الدولار لمكافحة غسيل الأموال وتهريب العملية وتمويل الإرهاب”.
يذكر أن المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، فاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بحصوله على 277 صوت مقابل 224 لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وأعلنت شبكات تلفزيونية عدة فوز ترامب، ليعود الرئيس السابق -الذي يبلغ من العمر 78 عاما- إلى السلطة في القوة الأولى بالعالم بعد حملة طويلة شهدت الكثير من التقلبات وتعرض فيها لإدانة قضائية ومحاولتي اغتيال.
وعلى صعيد ملف التصعيد الإسرائيلي الحالي، يشير حيدر، إلى أن “ترامب كالآخرين، يؤمن بأن حرب نتنياهو هي حربه الدينية، ولذلك سيواصل دعم إسرائيل لتحقيق أهدافها من خلال مساعدتها بشكل أكبر وأوسع على تنفيذ الخرائط التي أظهرها نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة”.
وبشأن الملف الإيراني، يؤكد أنه “سيعود ليمارس سياسة أقصى الضغط التي مارسها ضد طهران في رئاسته الأولى، ومن غير المستبعد أن يعطي الضوء الأخضر لتل أبيب بقصف المنشآت النووية الإيرانية، وهو الأمر الذي أشار إليه خلال حملته الانتخابية”.
وكان ترامب، قد اتخذ قرارا جريئا بعدما أمر باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني يناير 2020 بغارة جوية قرب مطار بغداد، ما أدخل العلاقات العراقية الأمريكية التي كانت مستقرة نسبيا، في مرحلة جديدة من الاضطراب والتوتر والحرج، حيث بدأت تتصاعد هجمات الفصائل العراقية المسلحة ضد القوات الأمريكية في أنحاء العراق.
وفي السابع من كانون الثاني يناير 2020، أعلن مجلس القضاء الأعلى، صدور مذكرة قبض من محكمة تحقيق الرصافة ببغداد، على ترامب، ضمن التحقيق الخاص باغتيال المهندس بضربة أمريكية ببغداد، رفقة سليماني.
وحول ذلك، يفيد حيدر، بأن “مذكرة إلقاء القبض الصادرة عن القضاء العراقي بحق ترامب ستكون عامل إزعاج للحكومة العراقية كما أنها ستؤرق قوى الإطار التنسيقي على وجه التحديد ولسان حالهم يقول؛ ليتنا لم نفعلها”، مؤكدا أن “ترامب لن يفوتها لهم في خططه بشأن الملف العراقي، ولكن ليس بالضرورة انه سيتحدث عنها في الإعلام”.
ويخلص المحلل السياسي، إلى أنه “ليس أمام البرلمان والحكومة والقضاء والقوى السياسية، إلا أن تتعامل مع الأمر الواقع الجديد حتى إذا كان ذلك على حساب كرامة المسؤولين في بغداد، فيلزمهم تجاهل عملية المطار التي تم تنفيذها عام 2020 بأوامر مباشرة من ترامب، وإرجاء الأخذ بالثار إلى إشعار آخر، فالعراق يؤكد دائما على تصميمه وسعيه الدؤوب لتتفيذ اتفاقية الإطار التنسيقي الموقعة بين بغداد وواشنطن والتي تنص على مسؤولية الولايات المتحدة في حماية النظام السياسي والديمقراطية في العراق”.
وخلال توليه رئاسته الأولى، امتلك ترامب تصورات وأفكارا خاصة للتعامل مع العراق، إذ كرر مرارا تهديداته ضد إيران بتوجيه “انتقام كبير” ضدها إذا شنت هجمات على المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، لكن طهران فعلت ذلك بقصف قاعدة عين الأسد وعدة هجمات بعد اغتيال سليماني والمهندس.
كما حاول ترامب وضع تصوره للعلاقات الاستراتيجية مع العراق وفق المبادئ التي حددها وهي: تحجيم الوجود الإيراني في العراق، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي وحماية الجنود، وانتزاع تسهيلات من العراق لحرية حركة القوات الأمريكية، حتى لو كان نشاطها متداخلا مع الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا، وهو أيضا عندما تسلم منصبه، تعهد بإنهاء وجود تنظيم داعش في العراق خلال 100 يوم، وإرسال المزيد من الجنود إلى العراق والعمل من أجل قيام حكومة صديقة في بغداد.
من جهته، يرى المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لا اختلافات جوهرية بين دونالد ترامب وجو بايدن في التعامل مع الشرق الأوسط، فالانحياز الأمريكي نحو إسرائيل واضح، لأن الأخيرة هي نقطة الارتكاز الأساسية للنفوذ الأمريكي وهي مشروعها في المنطقة الذي يتمحور حوله كل شيء”.
ويضيف عياد، أن “الدعم الأمريكي في عهد ترامب سيتواصل مع الكيان الإسرائيلي عسكريا واقتصاديا، وفوز الجمهوريين بأغلبية الكونغرس يعزز هذا الاتجاه وما يختلف قد يكون الوسائل والأدوات”، لافتا إلى أن “أسلوب ترامب مختلف عن بايدن، فالأول أكثر صخبا وسيكثف الضغط على الدول العربية لإيجاد حلول وطرح مشاريع تساعد في إنهاء الحرب، بالمقابل لن يمارس الضغط على الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
وفيما يخص الملف الإيراني، يرجح أن “يمارس ترامب الضغط على إيران عبر المزيد من العقوبات والإجراءات ضدها ومحاولة احتوائها”، مؤكدا أن “عليه التعامل مع المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن كأمر واقع، لأنها موجودة على الأرض، لذا يجب أن يعترف بها ويتعامل معها بشكل عملي، وكلما استوعب ذلك أصبح الحل أقرب، وإن تأخر ذلك وبقي نتنياهو على قراراته فنحن على موعد مع جولات قتال قد تمتد لستة أشهر أو عام”.
ويفصل عياد، بأن “منطقة الشرق الأوسط لا تشكل أولوية لدى ترامب في المرحلة الحالية، فهو سيعطي وقتا أطول لمستشاريه ووزير خارجيته لرسم استراتيجية للمنطقة في حين ينشغل بالملفات الداخلية الأمريكية أو أوكرانيا والعلاقات مع الصين، لكن ستكون له محاولات في كيفية إنهاء الحرب في المنطقة”.
ويخلص إلى أن “بلورة استراتيجية جديدة ستحتاج إلى وقت ولا أظن أن في جعبته حلولا جاهزة رغم كل التصريحات التي أطلقها خلال الفترة الماضية، لأن الأمر سيحتاج إلى وقت حتى يستوعب هذه التحولات التي وقعت بعد أربع سنوات منذ غيابه عن الحكم”.
ومن المتوقع أن تؤدي عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية محتملة على جبهات عدة في ظل الحروب وحالة عدم الاستقرار في أجزاء من العالم.
ووعد ترامب بإحلال “السلام” في الشرق الأوسط من خلال سعيه لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، لكنه لم يقل كيف، إذ قال مرارا، إنه لو كان في السلطة بدلا من جو بايدن، لما هاجمت حماس إسرائيل، بسبب سياسته “الضغط الأقصى” التي ينتهجها على إيران، التي تمول حركة حماس.
إلى ذلك، يؤكد الباحث اللبناني قاسم قصير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “من غير الممكن استباق الأمور قبل تسلم ترامب لمسؤولياته، فالأخير يقول إنه يريد وقف الحرب في المنطقة، ولكنه لم يحدد الآلية لهذه الخطوة”.
وبالنسبة للتعامل مع إيران، يشير قصير، إلى أن “ترامب في ولايته الأولى سبق له أن فرض عقوبات على الأولى والقوى الحليفة لها”، مشيرا إلى أن “الرئيس الأمريكي مسؤول عن اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد، فتعامل ترامب واضح في هذا الاتجاه”.
ويضيف أن “الأمور تبقى مرتبطة أيضا بكيفية تعاطي إيران مع ترامب، وفيما إذا ما أقدمت على القيام بتسوية أو حوار معه، أو قد تستمر المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط على جميع الاتجاهات”.
وكان ترامب بنى سياسات مؤيدة بشدة لإسرائيل، إذ أعلن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، في خطوة عززت قاعدته من المسيحيين الإنجيليين، وهي مجموعة من الناخبين الرئيسيين في الحزب الجمهوري، بالمقابل وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، ترامب بأنه “أفضل صديق حصلت عليه إسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق”.