صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

دعوة لـ\”تحنيط\” طالباني

مضى أكثر من 6 أشهر على غياب الرئيس طالباني عن المشهد السياسي، ولا خبرٌ يريح أعصاب قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الرئيس) الغارق بمشاكله الداخلية، ولا تسريبٌ يستر عورة العملية السياسية التي باتت مكشوفة أمام المارة.

لقد فاحت رائحة الطبخة السرية التي صنعتها أحزاب السلطة، حين وطأت أقدام بارزاني البساط الأحمر للمالكي في بغداد، وتصافحت يداهما اللتان لوّحتا ضد بعضهما الآخر، وقاما برشّ عدسات الكاميرات بابتسامات سحرية.

فيما تكرر السيناريو ذاته بين المالكي والنجيفي في وقت سابق، وكأن الجميع بات غير معني بغياب رئيس الجمهورية لأكثر من 6 أشهر! حتى غضوا النظر عن مسألة وفاته من عدمها، مادام الكل يرعى مصالحه، ولا يرغب بوجع راس زائد في حال مناكفة الأحزاب الدافعة باتجاه كتمان السر!

أمر كتمان وفاة طالباني بات شبه محسوم بين أحزاب السلطة، فقيادات الاتحاد الوطني تحتاج وقتا طويلا كي ترمم بيتها الداخلي، وتطرح اسما متفقا عليه لخلافة الرئيس، وحزب بارزاني بحاجة الى تدعيم شعبيته التي تقلصت بفعل التمديد لولاية رئيس الإقليم، أما المالكي فهو مستفيد أيضا من ممارسة أحد أفراد كتلته، (وهو خضير الخزاعي)، لصلاحيات الرئيس \”الغائب\”، أما النجيفي فيبدو أن صفقات أخرى من قبيل تقاسم حكومة الموصل المحلية، والاتفاق السري على تصدير النفط، كفيلة بأن تصيبه بالصمم.

أما بقية الأحزاب، فربما أسكتتهم أعراف السياسة العشائرية، القائمة على الخجل والمحاباة، باستثناء مقتدى الصدر، الذي شذّ عن زعماء الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى بتفجيره القضية ومواجهتها، بعد اقتراحه إرسال وفد طبي لزيارة طالباني في مشفاه! ما أحرج قيادات سياسية، وأقلقها من فساد الطبخة!

ورغم أن مقترح الصدر لم يكن في حقيقته من أجل سد الفراغ الدستوري الحاصل جراء غياب طالباني، وإنما كان عبارة عن ردة فعل تجاه تلك الطبخة التي لم تلبّ طموحه، إلا أنها نجحت في رمي حجارة داخل البركة الساكنة، فتحرك ذهن الشارع بسؤال ملح: أين طالباني؟ ولماذا لا يعلن عن موته؟ ولو كان حيا بالفعل فلم لا نسمع له خطابا أو تسجيلا يعرض صورته وهو يتحرك أو يأكل على أقل تقدير؟!

لم يعد أمر الرئيس هو ما يهم الشارع العراقي فعلا، رغم أن طالباني كان وللأمانة أهم سياسي عراقي، يتمتع بحنكة ودبلوماسية عالية تركت أثرها في نفوس الجميع، ما أهله ليكون موضع قبول كل الأطراف، ولكن ما يهم الشارع الآن فعلا، هو كم بلغت كلفة هذه الرحلة العلاجية الطويلة؟ وما هو ثمن الرقود في مستشفى بألمانيا لليلة واحدة؟ وهل أن لها بابا في ميزانية الدولة العراقية؟

وهل أن مكتب رئيس الجمهورية، بعد تعطيله وإغلاق بابه لما يقرب من عام، هل لا زال يتسلم نثريته الشهرية، من ضيافة، وقرطاسية، وبانزين سيارات ورواتب ومكافآت حماية، فضلا عن المخصصات الأخرى؟

وماذا عن السفرات المكوكية التي يقوم بها أعضاء حزبه والمقربون منه وإقامتهم في برلين؟

ودرءا لهذه النفقات الباذخة، وحفاظا على موازنة الدولة العامة من الجفاف، ومراعاة لتمرير الصفقات السرية والعلنية المتعلقة بموت طالباني، فإني أقترح جمع كل تلك الأموال، وإعطاء جزء بسيط منها لفنان مهمته \”تحنيط طالباني\”!

وبذلك، سنكون قد ضربنا ثلاثة عصافير بحجر واحد، أولها توفير مال إضافي لخزانة الدولة العامة، وثانيها إخراج السياسيين من إحراجهم، وفسح المجال أمامهم لا لـ7 أشهر قادمة، وهي موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، بل لسنين طويلة تمتد الى ما بعد التاريخ، وثالثها تشجيع الفنانين على ممارسة فن التحنيط، لأننا ربما سنحتاجهم لتحنيط جثث أخرى عديدة.

إقرأ أيضا