صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

دور السينما.. أطلال مهملة وإرث مندثر

بعد أكثر من قرن على أول عرض سينمائي في بغداد، تحولت دور السينما العراقية إلى مجرد أطلال مهملة، أو مخازن لبضائع، هي الأخرى مهملة ومنسية من التجار، لتبقى فقط الصور والذكريات لهذه الدور، التي احتضنت سابقا نجوم الفن العراقي والعربي، وعرضت أهم النتاجات السينمائية، بالتزامن مع عرضها في دور السينما العالمية.

بعد مرور أكثر من قرن على أول عرض سينمائي في بغداد، تحولت دور السينما العراقية إلى مجرد أطلال مهملة، أو مخازن للبضائع، لتبقى منها الذكريات والصور فقط، دور السينما تلك، احتضنت في السابق نجوم الفن العراقي والعربي، وعرضت أهم النتاجات السينمائية بالتزامن مع عرضها في دور السينما العالمية، في ظل إهمال حكومي واضح.

تشير المعلومات إلى أن العام 1909 شهد أول عرض سينمائي في بغداد في دار الشفاء بالكرخ، وعام 1920 تم تشييد سينما سنترال في شارع الرشيد ببغداد، تبعها داران هما العراق والوطني عام 1927 ثم سينما رويال عند نفق الرصافي حاليا، فيما شهد عقد الثلاثينيات من القرن الماضي إنشاء سينما الزوراء في منطقة المربعة، والرشيد الشتوي والصيفي في شارع الرشيد أيضا، ثم سينما الحمراء.

وحول اندثار هذه الدور، وتحولها إلى مخازن ومحال تجارية، يقول نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي، خلال حديث لـ”لعالم الجديد”، إن “دور السينما أهملت بطريقة غريبة واغلبها تحول إلى مخازن، وقد جاء بسبب الوضع السياسي الذي حدث في البلاد بعد 2003، إذ تعرضت السينما لانتكاسة كبيرة وحادة”.

ويضيف جودي، أن “الوقت الراهن شهد انحسار السينما التقليدية ذات الـ1000 مقعد، وبرزت ثقافة جديدة، هي ثقافة السينما داخل المول (مراكز التسوق)، حيث باتت أغلب المولات تضم دورا سينمائية مرتبطة بالسينما العالمية”.

وتعرضت البلاد بعد الغزو الأمريكي في العام 2003 إلى إهمال وتخريب للكثير من المواقع والكنوز التاريخية والثقافية، شملت المتاحف والمواقع والمباني الأثرية.

من جانبه، يبين الكاتب والمخرج السينمائي والمسرحي علي ريسان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “صالات العرض تعتبر في كل دول العالم إحدى أدوات توصيل السينما، كما هو موجود في الدول المتحضرة التي تعتبر السينما من دلالات المعرفة وتثقيف الإنسان ومعرفة الآخر، فالسينما رحلة استجمام ورحلة معرفية للعائلة العراقية”.

ويردف ريسان، أنه “بعد 2003 فإن أكثر صالات العرض كانت تابعة لأشخاص وليست تابعة للدولة، وكان حري بها دعمهم أو شرائها والحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي، لكن جرت عملية تخريب مدروسة لتشويه ذائقة الفرد العراقي وتشويه صورة المدينة، فالكل مرتبط بذاكرة جمعية والخراب شمل الأمكنة والذائقة أيضاً”.

ويوضح أن “الذي حدث في العراق هو تشويه للتاريخ والإرث الحضاري، لذا تجب إعادة صالات العرض التي تحول بعضها إلى نواد ليلية مبتذلة”، مبينا أن “بعض صالات العرض في الخارج تتحول إلى مزارات لما لها من عمق تاريخي وبها ذاكرة مهمة جداً، وإذا لم نحافظ على المكان فلن نحافظ على الذاكرة، فالرائحة والمكان تقوي الفرد أمام المسخ المتعمد الذي نتعرض له”.

يذكر أنه في الأربعينيات، وتحديدا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت صناعة الفيلم في العراق، عندما شرع أثرياء بتكوين شركات سينمائية، أولها “شركة أفلام بغداد المحدودة”، التي نالت إجازة عمل عام 1942، لكنها لم تُوَفَّق بإنتاج أي فيلم، وفي عام 1946، أنتجت “شركة الرشيد العراقية المصرية” أول فيلم عراقي، بعنوان “ابن الشرق” للمصري نيازي مصطفى، وفي العام نفسه، تعاونت شركتا “السينما الحمراء” و”اتحاد الفنانين المصريين” لإنتاج فيلم ثانٍ، هو “القاهرة بغداد”.

وعام 1960، أُنشئت أول مؤسّسة رسمية تعنى بالسينما، وبدأ نشاطها بإنتاج أفلامٍ وثائقية، بعد عشرة أعوام، بدأت المؤسّسة إنتاج أفلام روائية، وبعد عام 1968، صدر قانون دمج المصلحة بـ”المؤسّسة العامة للإذاعة والتلفزيون”، وفي عام 1972 صدر قانون فصل المؤسسة عن الإذاعة، وتحويلها إلى مؤسسة تُعنى بشؤون السينما والمسرح.

وعام 1975، صدر قانون “المؤسّسة العامة للسينما والمسرح”، واستطاع الفيلم العراقي الوثائقي تسيّد المشهد الفني، فاشترك في مهرجانات سينمائية دولية، ووصل عدد المُنتَج منه إلى 40 فيلمًا، تناولت موضوعات عديدة، علمية وتربوية وتأهيلية وثقافية.

خلال المسيرة الفنية للسينما العراقية، أنتج القطاع الخاص أكثر من 50 فيلما، و”دائرة السينما والمسرح” 41 فيلما، هناك أفلام أخرى أنتجها التلفزيون العراقي، لا علاقة للقطاعين العام والخاص بها، علمًا أن صناعة أفلام عراقية عديدة تمّت بفضل إنتاجات مشتركة مع دول عربية، كمصر ولبنان، بالتعاون مع مخرجين وممثلين عرب.

إلى ذلك، يرى الأكاديمي في كلية الفنون الجميلة أحمد ضياء، خلال حديث لـ”لعالم الجديد”، أن “شارع الرشيد والشوارع الأخرى التي ضمت دور عرض للسينما، تمثل عتبة مهمة في ذاكرة الثقافة العراقية، لما لها من دور بارز وصريح، الذي شكل فعلا ثقافيا مختلفا بين السينما والمسرح والفن بشكل عام، بالتالي فيما بعد التغيير بدأ تهميش هذه الشوارع بسبب أو آخر، الأمر الذي أسهم في إندثار كافة المعالم الثقافية في هذه الأماكن وعليه كان من الأجدر للحكومات المتعاقبة النظر إلى هذا الأثر العراقي الكبير الذي يمثل هوية وتأصيل، والعمل على إعادة ترميم دور العرض السينمائي”.

ويؤكد أن “اندثار هذه الدور السينمائية جاء بسبب آخر، ألا وهو الإنترنت والقنوات الفضائية، ما جعل الفرد منكفئ داخل بيته، متى ما رغب بمشاهدة فيلم سيكون التلفاز أمامه، لكن بعض المولات أعادت صالات السينما فوضعتها في أولوياتها وربطتها مع الصالات العالمية، الأمر الذي أعاد الإقبال إليها بشكل أو بآخر”.

يشار إلى أن الحركة السينمائية عادت خلال الأعوام الماضية، عبر مخرجين شباب، وجرى إنتاج عشرات الأفلام المستقلة، وأغلبها شاركت بمهرجانات عربية ودولية، ونالت العديد من الجوائز، لكن عرضها بقي محصورا بقاعات محددة ولم تتحول إلى عروض تجارية، ومن أبرز الأماكن التي عرضت فيها هي المسرح الوطني أو شاركت في المهرجانات المحلية.

وكان المدير التنفيذي لشركة اللسينما العراقية زيد فاضل، والتي تنتشر صالاتها داخل المولات والمراكز التجارية، قد أرجع سبب نجاح تجربة سينما المولات وإقبال الناس عليها، إلى أن تلك المراكز هي أماكن متكاملة من حيث توفير الخدمات، واغلب متطلبات الأسرة العراقية في مكان واحد، متمثلة بمحال تسوق الملابس والمواد الغذائية وكل مستلزمات المنزل، إضافة الى المطاعم والكافيهات، فعند انتهاء فترة التبضع، تجد الترفيه في السينما والاستمتاع بمشاهدة الأفلام.

إقرأ أيضا