ردا على ما وصفوه بـ”الاستفزاز”، خرج آلاف المتظاهرين في ذي قار أمس الجمعة، بعد حملة اعتقالات طالت عشرات المحتجين “التشرينيين”، وفيما وصف مراقبون وناشطون تلك الحملة بـ”الانتقائية” وعزوها لاستهدافات سياسية، أشار مقرب من رئيس الوزراء إلى أن الاعتقالات تأتي كجزء من تطبيق القانون وتستهدف المطلوبين بجرائم جنائية.
وشهد حراك تشرين الذي انطلق في الأول من تشرين الأول أكتوبر 2019، أحداث عنف واسعة بسبب القمع الذي واجهه المتظاهرون والمعتصمون، وأودى بحياة 600 الى 700 متظاهر، واصابة أكثر من 26 ألف متظاهر، إضافة إلى ما تلاها من حالات اغتيال في بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية.
وبين آلاف المحتجين في ساحة الحبوبي وسط الناصرية مركز محافظة ذي قار، يقول الناشط السياسي حسين الغرابي، عبر اتصال هاتفي مع “العالم الجديد”، إن “الآلاف خرجوا في الناصرية بعد الاستفزاز المتعمد من قبل قائد شرطة ذي قار الذي هدد المتظاهرين، وذكر أنهم لا يشكلون 20 نفرا، فجاء الرد اليوم (أمس) بحضور بهي، فالأعداد التي خرجت كبيرة، كما شهد الاحتجاج حضور ناشطين وبرلمانيين وشخصيات سياسية نابعة من حركة تشرين”.
ويضيف الغرابي، أن “قائد الشرطة قام بتفعيل قضايا تشرين 2019 وهي قضايا لا تحتوي على أي جرائم ابتزاز أو فساد، بل دعاوى سياسية تتعلق بالاحتجاج، مغطيا بذلك على جرائم كبيرة حدثت في الناصرية، منها ما تعرض له المتظاهرون في جسر الزيتون وقضية اختطاف سجاد العراقي وتغييبه، وتفجير البيوت والاغتيالات والكثير من هذه القضايا”.
وكانت محكمة التمييز الاتحادية قررت الإفراج عن الضابط في قوات التدخل السريع عمر نزار، بعد صدور حكم سابق بحقه بالسجن المؤبد عن حادثة مجزرة “جسر الزيتون”.
وتشكل حادثة “جسر الزيتون” علامة على سوء حالة القمع التي واجهت “احتجاجات تشرين” في ذي قار، حيث راح ضحية الحادثة التي تسببت بها قوة عسكرية خاصة بقيادة الفريق جميل الشمري العشرات بين قتيل وجريح، وذلك بعد أن تقدمت لفتح الجسر المغلق من قبل محتجين، صباح 28 من تشرين الثاني نوفمبر 2019 حيث أطلقت النار عليهم وهم نيام في خيم الاعتصام، كما امتلأت جوانب الجسر بالدماء وقطع الملابس وبعض الفرش، فيما تلت “المجزرة” أحداث فوضوية، أدت بشكل واضح إلى إضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها، وكذلك الأجهزة الأمنية، وهو ما انعكس على الوضع العام في ذي قار وعموم البلاد.
ويتساءل عن “سبب متابعة القوات الأمنية لقضايا الاحتجاجات وترك قضايا الفساد الكبرى كقضية نور زهير وغيرها”، لافتا إلى أنه “على قائد الشرطة أن يكون أكثر حكمة بتصرفاته وتصريحاته، لأن الرد سيكون أكبر على أي استفزاز لشباب الناصرية في المرة المقبلة”.
ونقلت وسائل إعلام محلية، أن القوات الأمنية سجلت إصابة 26 شخصا من القوات الأمنية والمتظاهرين، أمس الجمعة، توزعت بين 17 عنصرا أمنيا بينهم ضابطان اثنان، فيما تم تسجيل إصابة بكدمات لتسعة متظاهرين مصابين.
وعقد مجلس المحافظة، مساء أمس، جلسة تداولية طارئة بمشاركة نائبين من مجلس النواب، وذكر عضو المجلس أحمد الخفاجي، أن الجلسة خرجت بعدة مقررات على خلفية أحداث اليوم (أمس)، أبرزها وقف عمليات الدهم والتفتيش لمنازل الناشطين وملاحقتهم، فسح المجال للناشطين لغرض تسوية أمورهم القانونية مع مراكز الشرطة التي يقعون ضمن مناطقهم، والتشديد على عدم استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين.
ولم تناقش جلسة المجلس قضية إعفاء قائد الشرطة من منصبه، وبحسب الخفاجي، فإن “المجلس مع إجراءات فرض القانون، ولكن بالطرق السلمية وليس باستخدام الطرق التعسفية ضد المحتجين”.
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي، محمد نعناع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موضوع تنفيذ مذكرات القبض القضائية في ذي قار انتقائي بشكل كبير جدا، لأن هناك الكثير من مذكرات القبض تخص قضايا فساد ضد متهمين مرتبطين بأحزاب وتيارات لها أجنحة مسلحة لم تنفذ، بينما وجهت القوة بكاملها للناشطين والمتظاهرين عن أعمال حدثت قبل أربع سنوات”.
ويضيف نعناع، أن “هناك دعاية تزامنت مع هذه الانتقائية في تنفيذ هذه المذكرات القضائية وهو أنها تستهدف قضايا الابتزاز والجريمة، في حين استهدفت المذكرات أشخاصا كانوا أطفالا وأحداثا في 2019 والآن وصلوا إلى العشرينات من العمر، وتم تنفيذ مذكرات القبض بحقهم”.
ويؤشر الباحث السياسي، أمرا آخر، وهو أن “هناك مشاحنات أثناء تنفيذ هذه المذكرات وهناك استعداء للشباب في الناصرية”، مشيرا إلى أنه “ثمة جهات سياسية حزبية تستخدم مؤسسات حكومية للتنكيل بكل من رفع صوته ضد الفساد والأجندات الخارجية وتكميم أفواههم وقمعهم وجعلهم عبرة لمن يرفع صوته ضد الفساد ويطالب بحقوقه”.
وكان قائد شرطة ذي قار، نجاح العابدي، أكد أن مديرية الشرطة تعمل على تنفيذ أوامر إلقاء القبض الصادرة من القضاء فقط، دون تدخل في طبيعة تلك الأوامر، لافتا إلى أن “من يرى أن الدعاوى المقدمة ذات طابع كيدي، فعليه إثبات ذلك أمام القضاء وليس أمام المديرية التي تعد جهة تنفيذية فقط”.
لكن، المحلل السياسي المقرب من رئيس الوزراء عائد الهلالي، يشير من جانبه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الدولة العراقية في حالة تعاف، وهي ملزمة بتطبيق الأمن والقانون، ففي الفترة الماضية حصلت جرائم جنائية كثيرة جدا، والاعتقالات التي جرت في الناصرية ربما تأتي ضمن هذا الإطار”.
ويستدرك الهلالي قائلا: “أما إذا حدثت أمور أخرى، فهذا يجب أن يسأل عنه قائد شرطة المحافظة أو قيادة العمليات أو أي جهة أمنية هناك”.
ويصر المحلل السياسي، على أن “الأمور في ذي قار طيبة، والوضع هادئ وهناك حالة من الإعمار والتطور، لذا يجب أن لا نذهب بعيدا، وتتم توسعة الموضوع، لأنه لا يستحق الخوض به كثيرا، فالاعتقالات كانت ضد متهمين بجرائم جنائية، والدولة ملزمة بتطبيق القوانين وتنفيذ مذكرات القبض الصادرة عن القضاء”.
وينفي الهلالي “وجود أي استهداف في حملة تنفيذ المذكرات القضائية”، لافتا إلى أن “معالجات الحكومة غالبا ما كانت مهنية، فالكثير من المشكلات في العديد من المحافظات جرت معالجتها بشكل هادئ”.
يشار إلى أن الشارع العراقي كان يغلي فيها بسبب الفساد وسوء الإدارة وتفشي البطالة والخدمات العامة المتردية، حيث شارك الشباب والمراهقون في مسيرات احتجاجية واسعة، مطالبين بـ”وطن” يحتضنهم ويوفر لهم الحقوق الأساسية.
واستمرت الاحتجاجات لأكثر من عام، شهدت اعتصامات لمئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد، وساحات أخرى في محافظات الوسط والجنوب، وكان أبرزها ساحة الحبوبي وسط ذي قار، فيما شهدت التظاهرات والاعتصامات مزيدا من العنف من خلال انتشار القناصة على أسطح المباني، فضلا عن مواجهتهم بقنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي.