صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

رؤية جديدة لتعديل الدستور العراقي.. فهل ستحظى بتوافق الكتل؟

تحت عنوان منع تكرار حالة “الإنسداد السياسي”، تسعى الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الماضية، إلى تعديل الدستور العراقي، إلا أن الاتفاق حول طبيعة تلك التعديلات والمواد المستهدفة في الدستور، مازالت العائق الأكبر أمام المضي به.

التعديلات المستهدفة حتى الآن تتركز على المواد المتعلقة بطريقة اختيار رئيس الحكومة، التي منحت القوى السياسية تأويلات كثيرة بسبب عدم وضوح المادة 76 منها على وجه التحديد، ووصلت إلى ما يعرف بـ”الكتلة الكبرى”، وطريقة تحديد أو تسمية هذه الكتلة داخل البرلمان أو من خلال الانتخابات.

كما تتركز ايضا على المواد المتعلقة بصلاحيات رئيسي الجمهورية والبرلمان، ودور المحكمة الاتحادية العليا، وصلاحيات حكومة إقليم كردستان في أربيل، وسلطة بغداد (الحكومة الاتحادية)، والفصل بين السلطات، فضلا عن المادة 140 المتعلقة بإدارة المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد، ومواد تتعلق بصلاحيات المحافظين في المحافظات.

اليوم تجدد الحديث حول إجراء تعديلات دستورية، حيت كشفت الحكومة عن رؤية جديدة للتعديل، تضمنت الابتعاد عن قضايا الصراع السياسي.

اذ قال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الدستورية حسن الياسري ، اليوم الثلاثاء، إن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تبنى مشروع تعديل الدستور الذي قدمته له، وإنَّ الوقت الآن مناسب للتعديل بعد مرور أكثر من سبعة عشر عاماً على إقرار الدستور، ولا سيما أنَّ العقلية العراقية الآن ، سواء على المستوى السياسي أو البرلماني أو الشعبي، قد تغيرت عن الحقبة التي كُتب فيها الدستور، وتضمنت تبني الكثير من الآراء والأفكار الجديدة”.

وأوضح أن “الدستور لا يُكتب ويكون خالداً، بل ينبغي أن يتناسب مع تطلعات الأمة؛ لذا لا بد من إجراء التعديل عليه في مرحلةٍ ما كي ينسجم مع تلك التطلعات”. مبيناً أن “الدستور عند إقراره أوجب إجراء التعديل عليه، ولهذا كانت هناك تجربتان لتعديله، الأولى في العام 2006 لغاية 2009 وسميت بلجنة مراجعة الدستور، وقد قامت بعملٍ جبارٍ وعظيم كادت فيه أن تتجاوز كل مسائل الخلاف لو أنها أُقرَّت، بيد أنَّ الخلافات الشديدة آنذاك والخلاف حول وضع كركوك أجهضت اللجنة وعملها”.

وأضاف، أن “التجربة الثانية كانت في العام 2019 في أثناء حكومة عادل عبد المهدي وانبثاق التظاهرات الشعبية، إذ تم تبني مشروع تعديل الدستور من قبل رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، بيد أنَّ هذه التعديلات وُئدت في مهدها ولم ترَ النور”.

وأشار الى أن “مشروع تعديل الدستور الذي نتبناه الآن يختلف عن المشروعين السابقين، حيث تضمن رؤيةً وعقليةً ومنهجيةً مختلفةً بالكليَّة عن السابق، قائمةً على أسسٍ متعددةٍ، منها مثلاً الابتعاد عن فكرة تعديل مواد الدستور بالكامل من المادة الأولى لغاية المادة الأخيرة (144) ، لأنَّ التعديل الكلي يعني سنَّ دستورٍ جديدٍ ، وهو ما سيفضي إلى الكثير من العقبات والخلافات السياسية والبرلمانية والشعبية، كما حصل في التجربتين السابقتين”.

واستطرد: “لذا يجب الإفادة من التجارب السابقة، فضلاً عن الاقتداء بأثر الدول المتقدمة مثل أميركا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وإسبانيا وكندا، حيث إن تلك الدول، وغيرها من الدول المتقدمة والنامية، أجرت تعديلاً على نصوصٍ محددةٍ من الدستور، لا على الدستور بأسره”، منوهاً بأن “هنالك   قضايا مفصلية وخلافية وإنَّ  إجراء التعديل عليها سيولِّد صراعاً سياسياً لا محالة، ولن يحتمل البلد إضافة مشكلة ٍجديدةٍ على ما عنده من مشكلاتٍ ؛ ولهذا يقضي المنطق  باجتنابها”.

ولفت الى أن “فكرتنا قائمةٌ على أنَّ تعديل الدستور يجب أن يكون على وفق مبدأ التدرج ضمن مراحل، بحيث يتم في المرحلة الأولى- التي نحن فيها الآن- تعديل النصوص المتفق على ضرورة تعديلها من قبل الجميع ، كالمادة 76 مثلاً المتعلقة بتكليف مرشح الكتلة الأكثر عدداً ، التي يحصل بصددها اختلافٌ في كل دورةٍ برلمانية حول المقصود بها، هل هي الكتلة الفائزة في الانتخابات أو الكتلة التي تتألف بعدها في البرلمان، والمادة 70 المتعلقة باختيار رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين، التي حصل عليها خلافٌ شديدٌ في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كادت توقع البلد في أتون الحرب الأهلية لا قدَّر الله ؛ لذا ينبغي أن نقوم بتحديد المقصود بهذين النصين بصورةٍ صريحةٍ يقطع دابر النزاع والاختلاف، ونحو ذلك. هذا فضلاً عن إعادة صياغة بعض نصوص الدستور التي تستوجب ذلك، منها مثلاً ما يتعلق بالهيئات المستقلة وتمييزها من الجهات غير المرتبطة بوزارة، إلى جانب إعادة النظر بمؤسسات العدالة الانتقالية”.

وتابع، أنَّ “هذه الرؤية قمتُ بعرضها على رؤساء الجمهورية والبرلمان ومجلس القضاء الأعلى وزعماء الكتل السياسية، الشيعية والسنية، واستحصلت الموافقة المبدئية عليها، وإنَّ الحراك جارٍ لعرضها على الكتل السياسية الكردية”.

وأقر الدستور العراقي في عام 2005، في استفتاء شعبي قاطعه طيف واسع من العراقيين. ويتضمن الدستور بنوداً وفقرات ما زالت مثيرة للجدل، تبدأ من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، والموجودة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلى عبارة أن العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب وعضو مؤسس وفعّال في جامعة الدول العربية، مروراً بمادة المناطق المتنازع عليها.

كما تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسست للمحاصصة الطائفية في العراق، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحق لأي محافظة، أو عدة محافظات مجتمعة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً على غرار إقليم كردستان.

وشكل مجلس النواب العراقي في عام 2019 لجنة لتعديل الدستور على خلفية الاحتجاجات الشعبية، إلا أن اللجنة لم تحقق أي تقدم باتجاه التعديلات، بسبب وجود رفض سياسي لذلك.

وسبق أن دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في أكتوبر الماضي، البرلمان إلى إجراء تعديلات على الدستور، وذلك عقب تجدد الجدل بشأن المواد الفضفاضة القابلة لأكثر من تفسير وتأويل والتي تحولت إلى مشكلة تتجدد في كل أزمة سياسية.

وأقر زيدان بوجود أخطاء في تفسير بعض القوانين، ومنها قانون “المحكمة الاتحادية”، الذي تسبب بمشاكل سياسية، كانت آخرها أزمة “التيار الصدري” الذي أراد تشكيل الحكومة بصفته الفائز الأول بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنه لم يتمكن بسبب الالتفاف حول تفسير ينص على تشكيل الحكومة عبر التحالف السياسي الأكبر بعد إعلان نتائج الانتخابات.

إقرأ أيضا