ربط الأعضاء التناسلية وتعليق الأجسام على الأبواب مثل قطعة ملابس، باتت من أبشع طرق التعذيب المتبعة خلال التحقيق مع المشتبه بهم داخل السجون العراقية، وتهدف الى انتزاع اعترافات حقيقية أو وهمية بشكل سريع بعيدا عن أنظار الإعلام وفي ظل صمت المؤسسات الرقابية المعنية كمفوضية حقوق الإنسان ومجلس القضاء الأعلى.
وتحاول “العالم الجديد” تسليط الضوء على واحدة من أبشع الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجزون، بعد الحادثة التي هزت الرأي العام قبل أيام، وتتعلق بتبرئة مواطن من محافظة بابل بعد صدور حكم الإعدام بحقه، على خلفية انتزاع اعتراف منه بقتل زوجته وبث (الاعتراف) في القنوات الفضائية، قبل أن تظهر زوجته وتقر باختفائها الاختياري في محافظة اخرى.
ويقول محمد سعيد (اسم مستعار)، وهو قريب لأحد المحكومين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أحد أقاربي دخل في خلاف مع ابن أحد المسؤولين، فتطور الأمر الى رفع دعاوى قضائية بين الطرفين، لكن في النهاية اعتقلت القوات الأمنية أقاربي إثر دعوى رفعها ضده ابن المسؤول”.
ويضيف سعيد، أن “الشاب الذي اعتقل، تعرض لأشد أنواع التعذيب، وأصبحت حالته يرثى لها، حيث مورست ضده أبشع أنواع التنكيل، فقد تم ربط أعضائه التناسلية مع إجباره على تناول كميات كبيرة من الماء مع منعه من التبول، ما أجبره فورا على الإدلاء باعترافات غير حقيقية، وعلى أساسها أحيل الى القاضي وتم تصديق أقواله على جرائم لم يرتكبها”.
ويتابع “تم إجبار الشاب على الاعتراف أمام القاضي، حتى صدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما، لكننا لم نترك الأمر، حيث اتجهنا الى تمييز القرار وإثبات ان الاعترافات انتزعت تحت التعذيب، وحصل على البراءة بعد أن قضى نحو 10 اشهر في السجن”.
وزارة الداخلية من جانبها، أصدرت بيانا أمس الأربعاء، وعزت فيه أمر تعذيب المواطن البابلي الى “تصرفات فردية” شرع بها أحد ضباط التحقيق، وأكدت عدم مهنيتها وأنها لا تمت للعمل الشرطوي والأخلاقي بشيء، فضلا عن إعلانها تشكيل لجنة عالية المستوى لارجاع حقوق هذا المواطن ومحاسبة المقصرين، وأن هذه اللجنة ستقف على الأسباب الرئيسة التي دفعت الضابط للقيام بهذه الإجراءات رغم أن المواطن المذكور سلك الطرق الصحيحة للابلاغ عن حادثة وقعت له، وهي اختفاء زوجته.
وكانت الأمم المتحدة أصدرت تقريرا في 4 آب اغسطس الماضي، حول استمرار ممارسات “التعذيب” للمحتجزين في السجون العراقية، بناء على شهادات 235 معتقلا الى جانب موظفين وقضاة ومحامين، وثقتها المنظمة الدولية.
وبحسب التقرير الأممي، فأن أساليب الاعتداء تشمل “الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق”، ووردت “أنباء عن وقوع أعمال عنف جنسي”، وأشار بعض المحتجزين إلى معاملة “لا يستطيعون التحدث عنها”، كما ورد في التقرير، الذي ضم شهادة احد السجناء الذي قال “لقد عشتُ أسوأ أيام حياتي. وما إن وصلتُ إلى السجن حتّى انهالوا عليّ ضربا بأنابيب معدنية. وفي الأيام التالية، استخدموا سلكَي كهرباء مكشوفَين وصعقوني بالتيار الكهربائي”.
الى ذلك، يكشف منتسب في جهاز أمني تابع لوزارة الداخلية، رفض الكشف عن اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جميع أنواع التعذيب ابتداء من قلع الأظافر وغيرها، تمارس داخل السجون بحق المشتبه بهم خلال مرحلة التحقيق، وأن الكثير منهم اعترفوا بجرائم لم يقوموا بها نتيجة لهذا التعذيب”.
ويردف المنتسب الأمني، أن “بعض المشتبه بهم، عند وصولهم الى المحكمة ومواجهة القاضي، فانهم ينكرون اعترافاتهم ويؤكدون أنه بسبب تعرضهم للتعذيب، لكن القاضي لا يحقق في الأمر، بل يعيد المشتبه بهم مرة أخرى للتحقيق، وهنا تعاد عليه نفس وسائل التعذيب، بل أشد أحيانا، وحين يمثل أمام القضاء لن يجرؤ على الإنكار، ويتقبل منه أي حكم خوفا من العودة الى التحقيق”.
ويوضح “على سبيل المثال هناك شخص في كل مرة يصل الى القاضي ينكر اعترافاته ويعاد للسجن ويتم تعذيبه مجددا، وينكر اعترافاته امام القاضي من جديد، حتى استمر هذا الوضع 7 مرات”، مبينا أن “القاضي لا يحاسب ضابط التحقيق، بل ينتظر حسم أمر المتهم بثبوت التهمة او البراءة”.
ويشير الى أنه “لا يتعلق أي حق عام بالتعذيب، إلا في حال ثبوت براءة المتهم، ففي هذه الحال، يقدم المتضرر شكوى ضد الضابط أو المنتسب الذي حقق معه وعذبه، ومثال ذلك أن امرأة تقدمت بشكوى على منتسب قام بحلاقة شعر ابنها بالكامل، وبعد أن ثبتت براءة الشاب، اتخذت اجراءات بحق المنتسب وسيخضع للمحاكمة بعد أيام”.
وبشأن الطرق والوسائل المتبعة داخل السجون، يردف أن “أشد أنواع التعذيب هي العقرب أو ربط المتهم بالباب، حيث يعترف المتهم خلال ثوان قليلة”، مبينا “تتم هذه الطريقة من خلال ربط اليد اليمنى للشخص مع اليسرى من تحت، وتعليقه بالباب مثل السترة (جاكيت)”.
وكانت عضو مفوضية حقوق الانسان فاتن الحلفي، قد أشارت خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، في آب اغسطس الماضي، الى ورود شكاوى عديدة بوجود حالات تعذيب داخل السجون العراقية، وعلى إثرها يتم انتزاع اعترافات المعتقلين بجرائم لم يرتكبوها، وأكدت أنه من خلال التحقيق بهذه الشكاوى وفحص أجسام المعتقلين، تبين أن هناك فعلا حالات تعذيب تم توثيقها.
من جانبه، يسرد المواطن قاسم عبدالله (اسم مستعار)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، حكايته مع التعذيب، قائلا “لقد تم اتهامي بقضية كيدية، وهي سطو مسلح، وخضعت للتحقيق وتعرضت فيه لأشد أنواع التعذيب، حيث ضربت بـ(الكيبل)، وتم ضرب يدي بشدة، حتى بت غير قادر على تحريك أصابع يدي اليمنى، ما دفعني الى الاعتراف بالتهمة”.
ويستطرد “بناء على اعترافاتي تحت التعذيب، حكم علي بالسجن 5 سنوات، وقد قضيت 5 أشهر من فترة المحكومية، وحصلت بعدها على البراءة عبر التمييز”، موضحا ان “اثار التعذيب لا تزال على جسدي، فضلا عن أن أصابع يدي اليمنى لا تتحرك لغاية الآن”.
يذكر أنه في أواخر تموز يوليو الماضي، تم الاعلان عن وفاة اكثر من معتقل جراء التعذيب خلال التحقيق، حيث كانت البداية من وفاة الموقوف هشام محمد في محافظة البصرة، وبحسب ذويه فانه اعتقل نتيجة “تشابه أسماء” وتعرض الى تعذيب شديد أدى لوفاته، فيما تلت هذه الحادثة بأيام وفاة المعتقل علي مبارك، في مركز شرطة البراضعية في البصرة ايضا، وبحسب والد المتوفى، فان شرطة حماية مستشفى التعليمي وسط البصرة اعتقلت نجله وسلمته للنجدة بسبب قضية مشادة كلامية، وبعد 3 ساعات سلم لذويه “جثة هامدة وعليها اثار تعذيب جسدي واضحة”.
فيما توفي مدير مفتشية آثار نينوى، علي حازم الصميدعي، في 3 آب اغسطس الماضي، بعد اقل من 24 ساعة على اعتقاله، بقضايا تتعلق بالتزوير وتلقي الرشى، وبحسب قائممقام الموصل زهير الاعرجي، فان الصميدعي صدرت بحقه مذكرة قبض الساعة 12 ظهراً، حيث ذهب إلى المحكمة بنفسه، بسبب قضية تتعلق بالتزوير العقاري، واعتقل هناك، ليبقى على ذمة التحقيق، وفي الساعة الواحد ليلا نُقل إلى المستشفى، في ظروف غامضة، وتوفي هناك، فيما وردت كشفت بعض وسائل الاعلام في حينها، ان الصميدعي توفي جراء التعذيب.