موجة غضب اجتاحت الرأي العام في نينوى بعد ورود معلومات عن ردم حفرة “الخسفة” الشاهدة على جرائم تنظيم “داعش” من قبل جهات مجهولة، إلا أن حكومة نينوى فندت المعلومات، مشيرة إلى أن ردمها لم يكن سهلا، فيما تحدث مصدر أمني عن وجود قوة تحرس المنطقة التي تقع فيها الحفرة.
ويقول معاون محافظ نينوى رفعت سمو رشو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “حفرة الخسفة شهدت جرائم على يد تنظيم داعش الإرهابي يندى لها جبين الإنسانية، حيث رمى آلاف من جثث المغدورين فيها”.
والخسفة كما يسميها بعض سكان الموصل، فجوة أرضية طبيعية يزيد قطر فوهتها عن 40 مترا وعمقها أكثر من 150 مترا، بحسب دراسة أكاديمية أجرتها جامعة الموصل قبل سنوات، أشارت إلى وجودها في منطقة شبه صحراوية تضم رمالا متراكمة تسحب أي جسم ثقيل إلى داخلها، استخدمها تنظيم داعش لطمر جثث ضحاياه.
وكان النائب عن نينوى شيروان الدوبرداني أفاد في تصريح صحفي، أمس السبت، بـ”ردم حفرة الخسفة والتي دفن فيها آلاف الشهداء من أبناء نينوى لمواقفهم الرافضة ضد تنظيم داعش الإرهابي”، مبديا عزمه على “فتح تحقيق عاجل بالقضية، لمعرفة الجهة التي قامت بذلك لمحو آثار جريمة الخسفة والتنكر لتاريخ وبطولة شهداء نينوى ومواقفهم الوطنية ضد داعش”.
ويضيف رشو، أن “الحكومة الاتحادية لم تتخذ حتى الآن الإجراءات المطلوبة لفتح هذه المقبرة الجماعية العملاقة داخل الخسفة، على الرغم من أنها مليئة برفات شهداء ما زالوا مجهولي الهوية حتى يومنا هذا”.
وينفي علمه بـ”أحاديث عن ردم الخسفة”، إذ يشير إلى “عدم وجود معلومات بهذا الخصوص من مصادر موثوقة”، مشددا على أن “الحكومة المحلية، وكذلك الاتحادية، لا تنوي أبدا ردم هذه الحفرة وترفض هذه الفكرة رفضا مطلقا، لأن الموجودين في الخسفة كلهم أبناء نينوى، وهناك العوائل تنتظر معرفة مصير أبنائها من المغيبين والمفقودين، وعليه فإن هذه الأخبار غير صحيحة”.
ويردف معاون محافظ نينوى، أن “ردم الخسفة ليس بالأمر الهين، فهي حفرة عميقة جدا وقطرها كبير جدا يبلغ عشرات الأمتار، وردمها يحتاج إمكانيات دول وليس العراق فقط”، موضحا أن “الحكومة المحلية في نينوى لم ترسل فريقا إلى الخسفة لفحصها، لأن المعلومات الواردة بشأن ردمها غير دقيقة، ولم تصدر عن مصادر معتبرة”.
ولا تتوفر حتى الآن إحصاءات دقيقة عن العدد الفعلي للضحايا الذين تم إلقاء جثثهم في الحفرة، لكن نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية السابق نايف الشمري صرح، في حزيران يونيو 2020، بأن مسلحي “داعش” أقدموا على دفن نحو 10 آلاف مدني من أهالي الموصل فيها، إبان سيطرتهم على المحافظة.
إلى ذلك، يفيد مصدر أمني في نينوى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “أي حديث عن ردم حفرة الخسفة بالتأكيد لم يتم بأمر من الحكومة المحلية في نينوى، كما لم تصدر أوامر كهذه عن الجهات الأمنية”.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “هناك قوة أمنية من قيادة عمليات نينوى وقيادة الشرطة تتولى حراسة المنطقة التي تقع فيها الخسفة، وبالتالي لن تسمح بحدوث مثل هكذا فعل يمس استقرار المحافظة لمساسه بأحد الشواهد على جرائم داعش”.
وكان أستاذ التاريخ في جامعة الموصل إبراهيم العلاف ذكر في تصريح سابق، أن “الخسفة حفرة كبيرة وعميقة جدا، تقع جنوب غرب الموصل من جهة حمام العليل، وهي تبعد عن الموصل بنحو 20 كم، وقيل إنها وجدت إثر سقوط نيزك على الأرض قبل آلاف السنين”، مبينا أن “الحفرة عميقة جدا إلى درجة أنه إذا رمي فيها عدد من الشاحنات الكبيرة فلم تتم مشاهدتها وكأن شيئا لم يرم فيها”.
وطالب أهالي ضحايا وناشطون ومنظمات مدنية مرارا، الحكومة الاتحادية وحكومة نينوى المحلية بفتح الخسفة واستخراج رفات الشهداء منها، لكن المسؤولين الحكوميين يبررون دائما عدم الإقدام على فتحها بعدم توفر الإمكانيات لذلك داخل العراق، وأن الأمر يحتاج إلى جهود دولية كبيرة، لأنها مجهولة المحتوى وذات عمق غير معلوم.
من جهته، يذكر الناشط المدني في نينوى ماجد أحمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك حديثا يجري تداوله بخصوص ردم حفرة الخسفة في نينوى، وهناك مواقف رافضة وغاضبة من قبل الشارع الموصلي والناشطين إزاء هذه الأنباء، لأن الخسفة من أبرز الشواهد على جرائم عصابات داعش الإرهابية”.
ويوضح أحمد أنه “لغاية الآن لا يوجد تأكيد رسمي على ردم الحفرة، وإنما أحاديث وتصريحات ما زالت متواترة، وننتظر إيضاحا من الجهات الحكومية بهذا الشأن”.
يشار إلى أنه في 10 حزيران يونيو 2014، وخلال ترؤس نوري المالكي الحكومة، اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل وفرض سيطرته عليها نتيجة لانسحاب أغلب القطعات الأمنية من الجيش والشرطة الموجودة فيها، ثم سيطر تباعا على كافة مناطق المحافظة، وصولا إلى تكريت وحدود بغداد، فيما أعلن عن تحرير المحافظة بالكامل في 10 تموز يوليو 2017، خلال ترؤس حيدر العبادي الحكومة.
وعقب سيطرته على المحافظة، شن التنظيم حملة واسعة لتصفية منتسبي الأجهزة الأمنية وعدد كبير من الموظفين الحكوميين والصحفيين، فضلا عن المدنيين ورجال الدين الرافضين لوجوده، ولم يتم تسليم جثث أغلب ضحاياه إلى ذويهم، كما لم يتم إبلاغ عدد كبير منهم بمصائر أبنائهم.
وطالت الاتهامات في سقوط الموصل قادة سياسيين وعسكريين، وظهرت أحاديث عن “مؤامرة”، وأخرى عن “انهيار عسكري”، وروايات عديدة ظهرت، بعد أكبر حدث شهده البلد، لكن الحقائق بقيت مجهولة، على الرغم من أن لجنة التحقيق بسقوط الموصل، قدمت أسماء للقضاء العراقي، لكن لم تثبت مقصرية أي منهم، واستمر السياسيون والعسكريون الذين وردت أسماؤهم في التقرير بمناصبهم وعملهم، بل تم ترفيعهم أيضا، بعد عدم إدانتهم من قبل القضاء.
يذكر أنه في عام 2015، أنجز التقرير الخاص بسقوط الموصل، وتضمن أسماء ضباط كبار، لكن لم يفعل التقرير بشكل صحيح ولم يتخذ أي إجراء بحق المتسببين بسقوط المدينة، وفي عام 2018 صوت البرلمان على إحالة التقرير للقضاء.