صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ردم بحيرات الأسماك.. هل تشكل فرقا لمناسيب الأنهر؟

لم يعد التغيير المناخي سبباً رئيساً في ملف شح المياه وتضرر القطاع الزراعي، بل أن الاستخدام الجائر لبحيرات الأسماك المتجاوزة ألقى بظلاله على الواقع المائي، ليكون منطلقا لحملة ردم هذه البحيرات، لكن هذا الإجراء جاء رغم إقرار مسؤولين بأن مياه بحيرات الأسماك لن تنعكس بشكل كبير على الأنهر أو تشكل زيادة ملحوظة، إلا أنها تؤثر على حصص المحافظات المائية.

لم يعد التغيير المناخي سبباً رئيساً لشح المياه وتضرر القطاع الزراعي، بل بات الاستخدام الجائر لبحيرات الأسماك غير المجازة يلقي بظلاله على الواقع المائي، ليكون منطلقا لحملة تستهدف ردمها، وسط حديث مسؤولين بأن مياه بحيرات الأسماك لن تنعكس بشكل كبير على الأنهر أو تشكل زيادة ملحوظة، إلا أنها تؤثر على حصص المحافظات المائية.

وبدأت مديريات وزارة الموارد المائية بإسناد القوات الأمنية بتنفيذ حملة واسعة في المحافظات الوسطى والجنوبية، لإزالة بحيرات الأسماك المتجاوزة بهدف تقليل كمية المياه المهدورة، خاصة وأن عدد هذه البحيرات بالمئات.

ويقول مدير قسم الأسماك في مديرية زراعة البصرة عباس الركابي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المحافظة تمتلك 44 بحيرة مجازة تقع معظمها جنوبا، منها بحيرتان تعملان فقط والبقية تعرضت للخسائر بفعل عمليات المد والجزر لشط العرب والمد الملحي، ما دعا أصحابها إلى إغلاقها”.

ويضيف الركابي، أن “الموافقات الحالية لتجديد إجازات العمل للبحيرات توقفت منذ نيسان أبريل الماضي، إذ يتطلب الأمر موافقة وزارة الموارد المائية، فهي الجهة المسؤولة عن تقييم كميات المياه الواردة إلى المحافظة وتوزيعها ما بين الجانب الزراعي والسمكي وغيرها”.

وتعد المحافظات الجنوبية، هي الأكثر تضررا من هذه البحيرات لكونها تقع في نهايات الأنهر، ما أثر سلبا على الحصص المائية للمحافظات، والتي هي في الأساس قليلة.

وكان مربو الأسماك بناحية السيبة جنوبي البصرة، سجلوا خلال العامين الماضيين نفوق كميات كبيرة من الأسماك في أكثر من 25 بحيرة بسبب ارتفاع اللسان الملحي، فيما كشف متخصصون في حينها أن قراءة نسبة الملوحة بالأنهر المغذية للأحواض تجاوزت (18 ألف T.D.S)، وهي نسبة مميتة ومن المستحيل أن تتم الزراعة فيها، بحسب كلامهم.

من جانبه، يبين مدير الموارد المائية لمحافظة البصرة جمعة المالكي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفرق المشكلة في الشُعب المنتشرة بين الوحدات الإدارية تمكنت في الأيام الماضية من ردم بحيرات الأسماك المتجاوزة، وبلغ عددها 95 بحيرة متجاوزة، وهذه الخطوة من شأنها تعزيز الحصص المائية”. 

وشهدت أسعار الأسماك (الكارب) في السوق العراقية ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الماضية، لأكثر من الضعف بسعر الكيلوغرام الواحد، ما أثر مباشرة على أسعارها في المطاعم التي ارتفعت إلى الضعف أيضا.

يذكر أنه منذ عام 2008، ازدهرت مهنة تربية الأسماك بعد شيوع سمك (الكارب)، عن طريق منظمة الإنماء الأميركية، في حين كان أغلبية العراقيين يعتمدون على أسماك “الشبوط” و”الكطان” و”البني”، فضلا عن عشرات الأنواع الأخرى النهرية والبحرية. 

وإلى ذي قار، حيث يرى مدير الموارد المائية فيها عبد الرضا مصطاح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحملة شهدت إغلاق 44 بحيرة أسماك متجاوزة وقطع منافذ المياه المؤدية لها”.

ويوضح، أن “الكميات المائية التي تم منعها لا تشكل نسبا إضافية كبيرة للأنهار، ولكنها تعزز الحصص بمقادير معينة، حيث تقدر حجم المساحة الكلية للبحيرة الواحدة المستغلة أكثر من 2 دونم”.

وكشفت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، بأن إجمالي مزارع الأسماك في العراق المجازة بلغ 5295 فيما بلغت المنتجة منها هو 3794 وغير المنتجة 1489، وتعتمد هذه المزارع على مصادر مياه مختلفة منها 55 بالمئة على مياه الأنهر و40 بالمئة على مياه البزل والمتبقي على مياه الآبار، فيما كانت محافظتا البصرة وذي قار تعتمد بحيراتها السمكية على مياه الأنهر.

وأكد المتحدث باسم وزارة الموار المائية خالد شمال، في أيار مايو الماضي، أن عدد بحيرات الأسماك المتجاوزة بلغ أكثر من 2500 بحيرة، وأن مساحتها الكلية بلغت 271 ألفا و719 دونما. 

وكانت إيران قد غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

من جانبه، يصف الخبير في الشأن المائي والبيئي جاسم الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أحواض الأسماك بأنها “عبارة عن بحيرات تبخير مع الظروف الجوية الحالية وارتفاع درجات الحرارة، وأن الإجراءات الرسمية المتخذة بحقها وخاصة ردمها، فهي صحيحة، لأنها تسهم بزيادة الضائعات المائية”.

ويرى الأسدي، أن “ردم هذه البحيرات لا يعني بالضرورة زيادة المناسيب المائية بشكل كبير، فالحل الأمثل لزيادة المناسيب هو في كيفية إدارة الملف المائي في عموم البلاد للسيطرة على الحصص التي يتم توزيعها على المحافظات مع استخدام طرق الري الحديث والدخول في مفاوضات جادة مع دول المنبع للوصول إلى نتائج جيدة”.

وكانت “العالم الجديد” ناقشت في تقرير لها العام الماضي، غياب الأسماك النهرية المعروفة لدى العراقيين مثل “الشبوط والكطان والبني، وحلول أسماك الأحواض المعروفة بـ”الكارب” بدلا عنها، وقد عزا متخصصون في حينها غياب هذه الأسماك إلى وجود فيروس قاتل لم تكافحه الجهات الحكومية ما أدى إلى الإحجام عن صيدها بدرجة كبيرة. 

إقرأ أيضا