يستمر الجدل في العراق حول المساومة السياسية التي كان البرلمان مسرحا لها في تمرير ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة، كان ينتظر كل من الشيعة والسنة والأكراد تبنيها في إشارة إلى العفو العام والأحوال الشخصية والعقارات المشمولة بقوانين البعث، والمعركة القانونية بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا حول وقف العمل بها لاسيما وانها لم تُنشر في الجريدة الرسمية حتى تكون واجبة التنفيذ.
إذ تنظر المحكمة الاتحادية العليا، بعد غد الثلاثاء، في أربعة دعاوى قضائية للطعون المقدمة بجلسة البرلمان لتمرير القوانين الخلافية الثلاثة، وكذلك الطعون ببعض مواد قانون العفو العام.
وقدّم نواب في البرلمان، في 6 شباط فبراير الجاري، دعوى قضائية لدى المحكمة الاتحادية، ضد تصويت البرلمان على القوانين الثلاثة المثيرة للجدل “تعديل الأحوال الشخصية، وإعادة الملكية، والعفو العام”.
وبحسب الموقع الرسمي للمحكمة الاتحادية العليا، فإن “المحكمة ستنظر في 11 شباط الموافق الثلاثاء المقبل الطعون المقدمة بصحة جلسة البرلمان في 21 كانون الثاني يناير الماضي التي تم خلالها التصويت على القوانين الخلافية الثلاثة المتمثلة بالعفو العام والاحوال الشخصية وإعادة العقارات، فضلا عن طعون بمحتوى قانون العفو العام.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، في 4 شباط فبراير الجاري، أمرا ولائياً بإيقاف تنفيذ القوانين الجدلية التي أقرها مجلس النواب مؤخراً.
ووفق وثيقة للمحكمة، فإن “وقف تنفيذ القانون، هو سلطة جوازية وهو إجراء وقائي مؤقت إلى حين الفصل في مدى دستورية القوانين موضوع الدعاوى ومطابقتها للدستور من عدمه، إذ أن الآثار التي تترتب على تنفيذ القوانين لا يمكن تلافيها عند صدور حكم قضائي يقضي بعدم دستوريتها، لاسيما أن صفة الاستعجال تقوم على أساس فكرة الحماية العاجلة المؤقتة التي لا تهدر حقاً ولا تكسبه». وبناء عليه، قررت المحكمة إيقاف تنفيذ القوانين التي تم إقرارها في جلسة مجلس النواب المرقمة 3 المتضمنة القوانين الثلاثة: قانون تعديل الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وقانون تعديل العفو العام رقم 27 لسنة 2016، وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، إلى حين حسم الدعاوى”.
غير أن مجلس القضاء الأعلى وجد في اجتماع عقده في 5 شباط فبراير الجاري، أن “موضوع نفاذ القوانين والطعن بعدم دستوريتها، تمت معالجته بأحكام المادتين (93/أولاً) و (129) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، إذ يقتضي ابتداءً عند الطعن بعدم دستورية أي قانون يصدر من مجلس النواب أن يتم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح القانون محلاً للطعن بعدم دستوريته”، مشيرا إلى أنه “لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية”.
وزاد: “الأمر الولائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا قد نصَ صراحةً على إيقاف تنفيذ إجراءات صدور ونفاذ قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، على الرغم من أن هذين القانونين لم ينشرا في الجريدة الرسمية لحد الآن”.
واعتبر أن “الأمر الولائي غير ذي موضوع، لأنه قد انصب على قانونين غير نافذين لعدم نشرهما في الجريدة الرسمية، وأن مجرد التصويت عليها فقط في مجلس النواب العراقي يقتضي التريث في إصدار أي قرار سلباً أو إيجاباً يتعلق بتنفيذ القانون”.
وأكد رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، في 5 شباط فبراير الجاري، الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية، معتبرا أن اعتراض بعض النواب والطعن بالقوانين لدى المحكمة الاتحادية “تجسيد حقيقي للديمقراطية”.
يشار إلى أن رئيس البرلمان السابق ورئيس حزب تقدم، محمد الحلبوسي، كان أول من أصدر بيانا شديد اللهجة ضد الأمر الولائي، إذ عبر عن رفضه لإيقاف تنفيذ قانون العفو العام، مؤكدًا أن القانون يهدف إلى إنصاف الأبرياء والمظلومين فقط، ولا يشمل الإفراج عن “الإرهابيين”، وفيما اتهم المحكمة بتسييس قراراتها، شدد على عزمه مواجهة القرار بكل الوسائل القانونية والشعبية، ودعا إلى تنظيم مظاهرات ومقاطعة المؤسسات التي لا تحترم إرادة الشعب.
ومع حلول مساء الثلاثاء الماضي، بدأت محافظات سنية تعطل الدوام الرسمي، احتجاجا على الأمر الولائي، بدءا محافظة نينوى، ومن ثم تلتها محافظة الأنبار، ومن ثم التحقت صلاح الدين بهذه المحافظات، وأعلن أخيرا محافظ كركوك، ريبوار طه تعطيل الدوام الرسمي في المحافظة.
وفي مقابل ذلك، أعلن الإطار التنسيقي، دعمه للمحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ القوانين التي مُررت خلال جلسة مجلس النواب المنعقدة في 21 كانون الثاني يناير الماضي، مستغربا “الهجمة ضد المحكمة الاتحادية، في محاولة للنيل من سمعتها والسعي لسلب حقها الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين”.
وصوت مجلس النواب بجلسته الثالثة من فصله التشريعي الأول، السنة التشريعية الرابعة للدورة الانتخابية الخامسة، المصادف 21 كانون الثاني يناير الماضي، برئاسة محمود المشهداني رئيس المجلس على ثلاثة قوانين.
وبحسب بيان للدائرة الإعلامية للبرلمان، صوت المجلس بالمجمل على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المقدم من اللجنتين القانونية والمرأة والأسرة والطفولة والذي جاء انسجاماً مع ما أقرَّته المادة (2) من الدستور بأنه لا يجوز سَن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام وما أقرته المادة (41) من ضمان حرية الأفراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية وحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم، أو اختيارهم، ولوضع تلك المادة موضع التنفيذ وتنظيم تلك الحرية في إطار القانون بالشكل الذي يحافظ معه على المحاكم كجهة قضائية موحدة بتطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية وفقاً للقانون، وبالنظر إلى طلب مواطني المكون الشيعي في مجلس النواب تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 بما يتيح للعراقيين المسلمين من أتباع المذهب الشيعي تطبيق أحكام المذهب الجعفري الشيعي عليهم، وعدم موافقة المكون السني في مجلس النواب بعدم سريان هذا التعديل على العراقيين المسلمين من أتباع المذهب السُني.
وصوت المجلس بالمجمل على مشروع قانون إعادة العقارات الى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) المقدم من اللجنة القانونية، لصدور العديد من قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) باستملاك الأراضي العائدة للمواطنين ولأجل إعادة الحقوق الى أصحابها وإزالة الآثار الناجمة عنها.
كما صوت المجلس بالمجمل على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 المقدم من اللجان القانونية، والأمن والدفاع، وحقوق الإنسان، والذي يهدف إلى عدم إتاحة الفرصة لمرتكبي الجرائم الإرهابية والجرائم المنظمة لخطف الأشخاص لما تمثله من سلوك إجرامي خطير وما خلَّفته من آثار سلبية على المجني عليهم أو ذويهم وخطورتها على المجتمع وإعادة دمج ممن يشمل بقانون العفو بالمجتمع بعد إعادة تأهيله بدوائر الإصلاح ومنحهم الفرصة للعيش الكريم.
وشهدت الجلسة فوضى ومشادات بين عدداً من أعضاء مجلس النواب احتجوا على آلية التصويت على القوانين الثلاثة الجدلية، فيما لجأ البعض إلى الصعود فوق منصة المجلس، ما دفع النائب الثاني لرئيس المجلس شاخوان عبد الله إلى رفع الجلسة، وذلك بعد مغادرة المشهداني القاعة عقب إعلانه تمرير القوانين.
وعقب الجلسة، جمع العديد من النواب، تواقيع لإقالة المشهداني، بسبب اعتراضهم على آلية التصويت على القوانين.
وجاء التصويت على هذه القوانين بعد أشهر من الخلافات بين الكتل السياسية، والاعتراضات من قبل المتخصصين والمنظمات المدنية، دفعت لإلغاء العديد من الجلسات نتيجة المشاجرات والسجالات حولها.