خفيف الظل، مبتسم المحيّا، كثير المشاكسة يعرفه الجميع.. ذلك نتيجة لمقالبه الكثيرة وحيله الماكرة الّتي لا تخلو من ظرافة ومرح مع السيّاح الاجانب وخصوصا مع الرحالة البريطاني \”كافن يونغ\” ورفيقه المصوّر \”نيك ويلر\”، لذلك اسمّوه \”طنطل الاهوار\”، انه \”رشك سلمان الشغانبي\” من اهالي قرية \”العكر\” الواقعة في الاهوار الوسطى، كان يتنكر ليلا باشكال وهيئات مختلفة ويباغت اصدقاءه السيّاح.
من هنا حرص كافن يونغ على ان تكون لرشك سلمان صورة مميزة في كتاب \”العودة الى الاهوار\” بعدسة الفذ نيك ويلر. صورته في كتاب يونغك كما هي عادته لا تخلو من ظرافة ومشاكسة!
شاهدت الرجل في منتصف التسعينات مرات عديدة وكانت لي علاقة طيبة معه، كنت وغيري نستمتع بحكاياه وتجاربه الشيقة، خصوصا وانه عايش طبقات اجتماعية مختلفة، حيث كان في بعض الفترات سفّانا لبعض الشيوخ، فنتيجة لخبرته ومهارته يعتمد عليه كثيرا في مسالك الاهوار ودهاليزها الموهمة.
ربما انسى مواقفي الكثيرة معه لكني بلا شك لن انسى يوما عصيبا جمعني به عشته في الاهوار برفقة اصدقائي في المستشفى الميداني هناك. في أحد ايام شباط العام 1993، حصل حريق هائل في المحيط الذي نسكن فيه بعمق الاهوار بين قريتي الصحين والعكر، فالأهوار اخذت تجف وعروق القصب والبردي في كثير من المناطق لا تكاد تلامس المياه، بعضهم كان يقوم بحرق ما تبقّى من حقول القصب والبردي لسبب او لآخر، وفي لحظة ما حاصرتنا النيران، وفي سباق محموم مع الزمن هرع الينا الناس لإنقاذ المستشفى، كان من جملتهم ابناء رشك سلمان، وفي غضون دقائق نقلت جميع التجهيزات الطبية الى الزوارق، بقينا بلا مأوى فاستضافنا رشك سلمان في بيته، جلسنا جميعا حول الموقد، وبينما كان صاحب الدار يذكي النار، كنا نسترجع تلك اللحظات العصيبة بشيء من الابتسامة، ابتسامة شاهدتها على وجوه اغلب زملائي القادمين من مدينة البصرة، لا يعرفون الاهوار ولم يشاهدوها في يوم من الايام، لكن القدر ساقهم الى هناك، كان الحريص الاول على اثارة اجواء المرح وتحويل تلك اللحظات العصيبة الى لحظات سعيدة وذكريات رائعة هو رشك سلمان الشغانبي، بقينا في دار الرجل يومين او ثلاثة في امل اعداد مكان جديد، وهذا ما حصل، حيث هيّئت مساحة مناسبة للبناء، وبنينا ثلاثة اكواخ من القصب لهذا الغرض. كانت تلك الحادثة من المواقف التي لا يمكن ان تمحوها الايام.
رحل رشك سلمان الى دار الخلود عام 2012 ورحل معه سيل من الذكريات الفريدة التي يحتفظ بها نتيجة لمشواره الطويل والمميز في بيئته الاولى الاهوار، انه شاهد على التحوّلات السياسية، الامنية، البيئية الكبرى في الاهوار.
تذكرت الرجل وانا اتصفح كتاب كافن يونغ فشاهدت ذلك الطنطل الانسيّ العجيب مبتسما بسخرية الفطن المشاكس، ملوّحا بمجذافه الخشبي، وبين شفتيه ممسكا بسيجارته الشهيرة.
gamalksn@hotmail.com