تواصل حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني سعيها في توسيع رقعة الاستثمار في البلاد عبر جذب المستثمرين، على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تواجه البلاد بشأن هيكلة مؤسسات الدولة وطرحها للمساهمة ليتسنى للمستثمرين الخارجيين والداخليين شراء هذه المؤسسات وفرض التحكم فيها وتحويلها إلى قبضة احتكارية تتحكم بكافة مفاصل البلد والتي ستؤدي بالنهاية إلى إفلاس الدولة وجعلها تحت وطأة تحكم الإقطاعيين.
وفي خطوة غير مسبوقة في البلاد، يستعد العراق لطرح مجموعة واسعة من المشاريع بهدف جذب استثمارات بقيمة تصل إلى ربع تريليون دولار خلال العامين المقبلين.
ويتكون قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 من 37 مادة مقسمة على العديد من المحاور والفقرات التي تنظم العمل الاستثماري في جميع المفاصل الاقتصادية داخل البلاد، لكن خبراء أشروا باستمرار وجود صعوبات تتطلب النظر فيها من أجل تسريع عجلة المشاريع وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوفير البيئة الآمنة لها.
وتشمل حزمة الفرص الاستثمارية مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة، ومدن صناعية وزراعية، وشبكات سكك حديدية، بالإضافة إلى قطاعات التعليم والاتصالات والسياحة والترفيه، وفق رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، حيدر مكية.
وكشف مكية في مقابلة تابعتها “العالم الجديد”، أن “الهيئة أتمت جميع المتطلبات اللازمة لـ103 فرص استثمارية، إضافةً إلى مشاريع مستقبلية كبيرة، و”ممكن خلال السنتين المقبلتين أن تكون هناك أموال متدفقة بحوالي 250 مليار دولار” إلى العراق.
تأتي هذه الحزمة، وسط نشاط الهيئة الوطنية للاستثمار لإحياء عشرات المشاريع التي استؤنف العمل عليها، إضافة إلى إعادة تنشيط أخرى، ومعالجة العقبات التي تواجه المستثمرين مع الجهات القطاعية المختلفة. ووفقاً لرئيس الهيئة، “بلغ عدد المشاريع المتلكئة في عموم العراق 249 مشروعاً”.
وتأسست الهيئة الوطنية للاستثمار عام 2006 ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية 2022، لم يتجاوز حجم الاستثمارات المتدفقة إلى العراق 35 مليار دولار إلا أنه وبعد تنفيذ إصلاحات إدارية وفنية ووضع ضوابط تسهّل عملية الاستثمار، ارتفع حجم الإجازات الاستثمارية الممنوحة إلى 69 مليار دولار حتى يونيو الماضي، وفق مكية.
وتعقيباً على تصريح رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في أواخر أكتوبر المنصرم، الذي أفاد بأن “حجم الاستثمار للعام 2024 وصل الى 100 مليار دولار”، أوضح مكية أن “ذلك الرقم صحيح إذا ما جمعنا مبلغ 69 مليار دولار المتدفق من العام ذاته مع مشاريع أخرى استراتيجية كمشروع مترو بغداد ومشروع (مترو النجف–كربلاء) يصل الرقم إلى100 مليار دولار”.
يشار إلى أن العراق يقع في المرتبة الرابعة وفقا لتصنيف الاستثمار الأجنبي المباشر لأفضل الأسواق الناشئة بالاستثمار الذي أصدره موقع “FDI Intelligence” المتخصص بشؤون الاستثمار العالمي لعام 2024، حيث جاءت هذه المرتبة للعراق من بين 10 دول جرى تقييمها بحسب عدة معايير من بينها الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة التضخم، والنمو في إنفاق رأس المال في الاستثمار الأجنبي المباشر، ونسبة النمو في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر.
وعلى الرغم من ذلك، خصصت الموازنة الاتحادية للأعوام الثلاثة 2023 و2024 و2025، نحو 47 تريليون دينار للمشاريع الاستثمارية، في حين تؤكد وزارة التخطيط أن المشاريع المتلكئة تحتاج لنحو 12 مليار دولار (الدولار بالسعر الرسمي يبلغ 1300 دينار وفي السوق الموازية نحو 1500 دينار) لإنجازها.
جدير بالذكر، أن الخبير الاقتصادي باسم انطوان أكد في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، أن الاستثمارات الموجودة الآن في العراق ليست استثمارات إنتاجية أو زراعية أو صناعية أو سياحية بالشكل الذي يعول عليها، فأغلبها منصب على مراكز التسوق التي تبنى على قطع أراض مميزة وتمتلئ بسلع استهلاكية مستوردة، ولا توجد فيها بضاعة عراقية مصنعة في الداخل، وهذا ما يساعد على خروج رؤوس الأموال إلى خارج البلد”.
يشار إلى أن النائب السابق واللجنة القانونية النيابية رشيد العزاوي، أكد في حديث صحفي خلال الدورة النيابية السابقة، أن قانون الاستثمار تعترضه العديد من العراقيل، أولها تضاربه مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار (13) له الأولوية وفق تشريعه، فضلا عن أنه لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويطالب بكشف الذمة المالية للمستثمر.
ومنذ سنوات قليلة، بدأت تنتشر في بغداد ظاهرة بناء المجمعات السكنية، في ظل أزمة سكن حادة تضرب البلاد منذ سنوات طويلة، وقد أكد متخصصون في الاقتصاد خلال تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، أن بناء هذه المجمعات السكنية، يجري من قبل شخصيات متنفذة عليها عقوبات دولية، ولا يمكنها إخراج أموالها لدول أخرى، فعمدت إلى استثمارها في هذه المجمعات.
وكانت المشاكل التي رافقت توقيع الحكومة لعقد إنشاء ميناء الفاو الكبير، من أبرز الحوادث بشأن الاستثمار في البلد، حيث جرى ضغط كبير على الشركة الكورية، وصل مرحلة العثور على جثة مديرها في العراق، وقد قيل في حينها أنه انتحر، دون معرفة السبب الحقيقي لوفاته.
يذكر أن لجنة الاستثمار النيابية السابقة، أكدت هيمنة شخصيات وأحزاب وميليشيات على مشهد الاستثمار في البلاد، وأن من شأنه منع حصول الشركات الاستثمارية الرصينة على فرصة للدخول في مجال الاستثمار في البلاد.