صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

رغم حملات الرفض.. إصرار حكومي على «إعدام» أشجار الكرادة  

في الوقت الذي يحتاج فيه العراق بحسب التقديرات إلى أكثر من 14 مليار شجرة، وجهود كبيرة لتحويل الأراضي الجرداء إلى خضراء، يستمر “إعدام” العشرات من الأشجار المعمرة في أماكن مختلفة من العاصمة بغداد، ومن أبرزها منطقة الكرادة. قطع الأشجار في الكرادة داخل جاء ضمن حملة الإعمار التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، والخاصة بفك الاختناقات المرورية، وشهدت المرحلة الأولى قطع كافة الأشجار المعمرة، ورغم ما أثارته من لغط كبير، إلا أن الحملة مستمرة وبدأت مرحلتها الثانية، وذلك بهدف…

في الوقت الذي يحتاج فيه العراق بحسب التقديرات إلى أكثر من 14 مليار شجرة، وجهود كبيرة لتحويل الأراضي الجرداء إلى خضراء، يستمر “إعدام” العشرات من أشجاره المعمرة في أماكن مختلفة من العاصمة بغداد، ومن أبرزها حي الكرادة.

وقطع الأشجار المعمرة في منطقة “الكرادة- داخل”، جاء ضمن حملة الإعمار التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، والخاصة بفك الاختناقات المرورية، وتوسيع مسار السيارات، عبر أخذ جزء من أرصفة المنطقة، التي تعد من أشهر مناطق الرصافة التجارية، فعلى الرغم مما أثارته المرحلة الأولى من لغط كبير، إلا أن المرحلة الثانية بدأت لتحقيق أهدافها.

يضم شارع “الكرادة- داخل”، منذ بدايته من ساحة كهرمانة الشهيرة، وصولا إلى فندق بابل في الجادرية، مئات المحال التجارية فضلا عن البسطات والمقاهي المختلفة والمكتبات ومحال الخياطة والمطاعم، وهذا الشارع يعد أبرز شارع تجاري ومتنفس للعائلات في جانب الرصافة، وكان يمتاز بعرض أرصفته التي تستوعب المارة والبسطات بكل أريحية.

مدير الإعلام والعلاقات العامة في أمانة بغداد محمد الربيعي، يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أمانة بغداد اجتمعت مع مديرية بلدية الكرادة داخل بشأن قطع الأشجار المعمرة، وتوصلنا إلى حلول وسطية وهي بقاء الشجرة وتغيير موقعها قليلا، أي نقل الشجرة، ولكن إلى الآن لم تقم أمانة بغداد بهذا الإجراء، ولا زلنا في طور المفاوضات، ونأمل أن ننجح في الأمر مع إدارة المشاريع وبلدية الكرادة، لكن هذا المقترح إذا لم ينفذ، فإننا سنضطر لزراعة أشجار بديلة عنها”.

ويضيف الربيعي، أن “الأشجار الجديدة التي تمت زراعتها مختلفة عن القديمة التي قطعت، كونها معمرة، بينما المزروعة حديثاً ستكون مفيدة مستقبلا وليس الآن”.

ويؤكد الربيعي، أن “توسعة طريق الكرادة وفك الاختناق المروري أصبح مطلباً جماهيرياً أيضاً، ولكن هذه التوسعة ليست على حساب قتل الأشجار، وأنا شخصيا أُفضّل الاختناق المروري بدلا من قطع الأشجار، أي أن تبقى المنطقة مزدحمة وظلية، لاعتبارات بيئية”.

ومؤخرا ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، بعشرات الصور لقطع أشجار شارع الكرادة داخل، وسط استهجان كبير من الناشطين والخبراء في البيئة، خاصة وأن قطعها يتزامن مع أقسى موجة جفاف وتصحر يمر بها العراق، كما أنه يخالف توجه الجهات الحكومية لوقف التصحر ووضع الحلول المناسبة للتقليل من آثاره.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن في آذار مارس الماضي، خلال افتتاحه مؤتمر العراق للمناخ في البصرة، عن إطلاق مبادرة كبرى للتشجير، تشمل زراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، يرافقها إطلاق دليل وطني للتشجير الحضري، كما أعلن عن إطلاق مشروع تنمية الغطاء الطبيعي بهدف مكافحة التصحر من خلال تعاقدات مهمة مع شركات عالمية متخصصة وبالذات في مناطق نشوء العواصف الترابية محلياً.

يشار إلى أن أمانة بغداد، قررت العام الماضي، فرض غرامة مالية قدرها 5 ملايين دينار على كل من يقطع شجرة، وشكلت خلية رصد في جميع المناطق.

يذكر أن مشروع تطوير ساحة الأمة في منطقة الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد، شهد أيضا قطع كافة الأشجار المعمرة فيها، وتحويلها إلى مساحة رصت بالطابوق والغرانيت وإنشاء نافورات مياه، مع وضع أشجار بسيطة وحديثة العمر.

الخبير البيئي سمير عبود، يوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أمانة بغداد والجهات الأخرى تناقض نفسها، فهي تقوم بقطع الأشجار في الوقت الذي تدعو فيه إلى مبادرات من أجل زراعة 5 ملايين شجرة”.

ويؤكد أن “أضرار التغير المناخي متعددة ومن سبل التقليل منها أو معالجتها زراعة الأشجار، فالعراق أكثر الدول المتضررة بالتغير المناخي، ونحن هنا بحاجة إلى المزيد من التشجير، فالتشجير يتقليل التلوث الذي تسببه السيارات، فضلاً عن الجوانب الجمالية الأساسية التي تساهم في التعبير عن صورة المنطقة، وإذا كانت الجهات الحكومية هي التي تمارس عمليات القطع، فهذه إشارة خاطئة للمواطن، فبدلاً من تشجيعه وتشريع القوانين لزرع الأشجار وانتشار الأحزمة الخضراء يتم قطعها من قبل الحكومة”.

ويشير إلى أن “ما يحدث مخالفة، فهناك قانون الغابات والمشاجر الذي يتضمن عقوبات مالية وإجرائية بحق أي جهة تقوم بقطع الأشجار، وهذا القانون مسؤولة عن تنفيذه وزارة الزراعة”.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة إلى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

وتعاني المنطقة العربية ككل من آثار التأثيرات السلبية للمناخ، وفي العراق فإن نسبة التصحر في الأراضي المروية تبلغ نحو 71 بالمئة، حيث تراجعت مناسيب المياه بشكل كبير وأبرزها نهر الفرات الذي أثر جفافه على محافظة الأنبار والاهوار والمحافظات الجنوبية.

وقد عَرفت منظمة السلام الأخضر العالمية “غرين بيس” التغير المناخي أو ظاهرة الاحتباس الحراري، بأنها مشكلة حقيقية يعيشها العالم وتتفاقم بازدياد، وتتمثل باختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار التي تميز كل منطقة على الأرض، وبحسب المنظمة فإن وتيرة التغيرات المناخية الشاملة وحجمها قد تؤديان إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية بالمدى الطويل.

وحاولت “العالم الجديد” الحصول على رد من وزارة الزراعة بشأن قطع أشجار شارع الكرادة داخل، لكنها لم تنجح.

الناشط المدني قتيبة جواد، وهو عضو منظمة تواصل ومدير مشروع المنصة البيئية، يوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما لا يختلف عليه أحد أن قطع الأشجار أمر غير حضاري، كان من الممكن إيجاد طرق بديلة للتعامل مع هذه المسألة، ولو تم عرض الأمر على مختصين في وزارة الزراعة، لكانوا قد رفضوا بشكل تام فكرة قطع الأشجار المعمرة”.

ويتساءل “هل كانت مساحة المتر المربع الذي تحتله الشجرة ضارة لهذه الدرجة”، متابعا “نحن بدورنا كنشطاء ومدافعين عن البيئة، أطلقنا حملة مدافعة بعنوان لا لتجريف البساتين ولا تقطعوا شجرة، وتم تسجيل الحملة على موقع آفاز الدولي، كما نقوم أيضًا بحملة لجمع التواقيع من أجل حماية نخيل وأشجار العراق”.

وشهد البلد مطلع العام الماضي، عواصف ترابية دفعت بالجهات المعنية إلى الاستنفار، سواء من الجوانب الخدمية أو الصحية وحتى الأمنية، تحسبا لاستغلالها من قبل تنظيم داعش بشن هجمات، وفقا لتوقعات الرصد الجوي فأن العواصف الترابية ستغطي على أغلب أيام العام في البلد.

يذكر أن مبادرات إنشاء الحزام الأخضر، بدأت في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من حملة قامت بها الدول العربية وبمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في مرحلتها الأولى، يعمل كمصد للرمال الصحراوية التي تجتاح المدن والأراضي الزراعية، فضلاً عن عمله للحد من الرياح الصحراوية نحو المدن، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، ومن ثم حرب الخليج، والخلاف العراقي الخليجي.

إقرأ أيضا