يبدو أن الخلافات بين بغداد وأربيل أخذت بالاتساع مؤخرا، فبعد تلويح الأخيرة قبل أيام بتفعيل المادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005 الخاصة إستفتاء كركوك و المتنازع عليها، اثر مفاوضات جرت بين وزارة النفط في بغداد مع شركة بريتش بتروليوم البريطانية، لبحث تطوير حقول كركوك، دون التفاوض معها، معتبرة إياه قرار “احادي الجانب”.
أعلنت الحكومة العراقية، اليوم الأربعاء، أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة بريتش بتروليوم BP البريطانية، بشأن برنامج لتقييم إمكانية إعادة التطوير المتكامل لحقل كركوك والحقول المجاورة.
يذكر أن “بي بي” شركة بريطانية، تُعتبر ثالت أكبر شركة نفط خاصة في العالم بعد “إكسون موبيل” و”شل”، وكانت قد ساهمت في استكشاف النفط في كركوك في العام 1927.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان تلقته “العالم الجديد”، إنه “جرت في لندن، مساء أمس الثلاثاء، مراسم توقيع مذكرة تفاهم لتقييم إمكانية إعادة التطوير الكامل لحقول كركوك الأربعة للتنفيذ، بحضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط حيان عبد الغني السواد، حيث وقعها عن الجانب العراقي مدير عام شركة نفط الشمال عامر خليل أحمد، فيما وقعها عن شركة بريتش بترليوم مدير فرع العراق زيد الياسري”.
وأضاف أن “المذكرة تستهدف العمل على إحالة مشروع إعادة تأهيل وتطوير حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك إلى شركة BP، من أجل زيادة الإنتاج والوصول إلى أفضل المعدلات الإنتاجية المستهدفة من النفط والغاز”.
وقالت حكومة كردستان، في 13 كانون الثاني يناير الجاري، ببيان غاضب، إنه حسب المادة 140 من الدستور العراقي لسنة 2005 فإن عملية الاستفتاء يجب أن تجري في كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتلتزم الحكومة الاتحادية بتنفيذ العملية قبل 31 كانون الأول/ديسمبر 2007، قبل هذا التاريخ، وخلال العشرين سنة الماضية، فشلت جميع الحكومات العراقية المتعاقبة في إجراء استفتاء، والآن تستعد الحكومة العراقية لانتزاع النفط والغاز من هذه المناطق من جانب واحد، في حين يطالب الشعب الكردستاني في إطار المادة 140 بهذه المناطق”.
وأضافت: “بموجب المادتين 110 و115 من الدستور العراقي لعام 2005، تتمتع حكومة إقليم كردستان بحق مطلق ومن جانب واحد في إدارة حقول النفط والغاز المكتشفة حديثاً، كما تنص المادة 112 أيضا على أن تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم بإدارة مشتركة لحقول النفط والغاز المكتشفة سابقا، مثل تلك الموجودة في كركوك والمناطق المحيطة بها، كما أن بغداد ملزمة بالاتفاق مع إقليم كردستان بشأن توزيع إيرادات الحقول المكتشفة قديما”.
ولفت البيان إلى أن “حكومة إقليم كردستان كانت على استعداد دائمًا للمشاركة في هذه الاتفاقيات، إلا أن الحكومة الاتحادية ظلت تتنصل باستمرار من مسؤولياتها الدستورية، والان تحاول الحكومة الاتحادية توقيع عقود النفط والغاز دون مراعاة مواد الدستور بشكل عام والمادتين 140 و112 بشكل خاص”.
وأكدت حكومة كردستان ،أن “من حقها الدستوري الدفاع عن حقوقها الدستورية بكل الوسائل المتاحة وتعمل على تنفيذ القوانين لحماية الحقوق الدستورية لشعب كردستان وكركوك”.
وكان نائب رئيس الوزراء وزير النفط ، حيان عبد الغني، أكد في 10 كانون الثاني يناير الجاري، أن وزارته تجري حالياً مفاوضات مع شركة بريتش بتروليوم البريطانية، لبحث تطوير حقول كركوك وانضاج الصيغة التعاقدية، مؤكداً حرص وزارته على تطوير الحقول النفطية في شركة نفط الشمال واستثمار الغاز منها لزيادة معدلات الإنتاج بما يلبي الحاجة المحلية في قطاعات الطاقة والصناعة.
وذكر أن الوزارة “ماضية بالتفاوض مع شركة (PB) بشأن تشغيل حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك، وهي باي حسن وكركوك وجمبور و خباز بهدف تطويرها وزيادة الإنتاج من هذه الحقول تنفيذاً للبرنامج الحكومي بهدف استثمار الغاز المصاحب في ضوء الحاجة لتوفير الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية”، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
جاء ذلك في وقت تشهد فيه العلاقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد، صراعا حول أزمة الرواتب والمستحقات المالية لإقليم كردستان والذي ظهر واضحا من خلال حرب البيانات والاتهامات المتبادلة بين بغداد وأربيل، حتى وصلت إلى تلويح الأكراد بالانسحاب من العملية السياسية على خلفية عدم صرف حكومة المركز لرواتب الإقليم ومستحقاته المالية.
وأثيرت أزمة الرواتب بالتزامن مع زيارة لرئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني إلى بغداد في 12 كانون الثاني يناير الجاري، حيث التقى الأخير برئيس الوزراء محمد شياع السوداني وقيادات تحالف إدارة الدولة الذي يضم الإطار التنسيقي، والذي توجه له التهم بعرقلة تنفيذ القوانين والدستور لحل الخلافات مع الاقليم.
ويعتبر ملف رواتب موظفي الإقليم أحد أبرز المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، حيث تؤكد الحكومة العراقية ضرورة تسليم أربيل نفطها إلى بغداد وأن يتم التصدير من خلالها، بينما ترفض حكومة كردستان ذلك، ما أدى الى قطع بغداد رواتب جزء كبير من موظفي الإقليم ودفعها إلى آخرين على شكل متقطع وغير منتظم منذ عام 2014، إلى أن توقفت المرتبات نهائياً في أكتوبر تشرين الأول 2017 مع تداعيات استفتاء الانفصال.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق نتيجة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بي بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.
وكان مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن في الأول من آب أغسطس 2024، أن العراق وقع مذكرة تفاهم مع مجموعة “بي بي” البريطانية، لإعادة تأهيل وتطوير حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك.
وتعود المحادثات بين العراق والشركة لتطوير حقول المحافظة إلى سنوات سابقة، فقد أجرت الشركة محادثات مع وزير النفط الأسبق جبار اللعيبي، في العام 2017، بغية زيادة إنتاج حقل نفط كركوك إلى ما يزيد على 700 ألف برميل يوميا، في محاولة لتنشيط اتفاق مبرم عام 2013 بين الطرفين.
وقال خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إن “شركة بي بي، كانت متعاقدة مع وزارة النفط سابقا على تطوير حقول كركوك، لكن بشكل مختلف، فالعقود القديمة كانت بأنموذج عقود الخدمة، أما الأسلوب الجديد الذي تبنته الوزارة في جولات التراخيص الخامسة والسادسة التي وقعت منتصف آب أغسطس الماضي، كانت بأسلوب تقاسم الأرباح”.
ووقعت “بي بي” ووزارة النفط في عام 2013 “خطاب نيّات” لدراسة تطوير كركوك، لكن جرى تعليق هذه الصفقة في عام 2014، بسبب الظروف الأمنية، مما سمح لحكومة إقليم كردستان بالسيطرة على منطقة كركوك، واستعادة بغداد السيطرة الكاملة على الحقل من حكومة إقليم كردستان عام 2017 بعد رفض الاعتراف بنتيجة استفتاء إقليم كردستان، وحينها استأنفت شركة “بي بي” دراساتها بخصوص الحقل.
ويعتبر حقل نفط كركوك الذي اكتشف في الـ 14 تشرين الأول أكتوبر 1927 أقدم حقول العراق، وثاني أكبر حقل نفطي في العالم من حيث القدرة على الإنتاج، وهو خامس أكبر حقل على الصعيد العالمي من حيث الحجم باحتياطي نفط يفوق 10 مليارات برميل من النوعية الجيدة.
وفي عام 1934، كانت بداية الإنتاج التجاري للنفط الخام بكركوك وتصديره إلى الأسواق العالمية من خلال 4 خطوط ناقلة لنفط كركوك صوب موانئ البحر الأبيض المتوسط.
ومن أهم الحقول النفطية في كركوك، حقل كركوك الذي اشتمل على 196 بئراً منذ اكتشافه عام 1927، وحقل باي حسن الذي بلغ عدد آباره 35 منذ اكتشافه عام 1953، وحقل جمبور وعدد آباره 16 منذ اكتشافه عام 1954.
وكان اكتشاف نفط كركوك بوابة لتحوّل العراق إلى بلد نفطي، وبدأ تدريجياً الاعتماد بشكلٍ كامل على الإيرادات النفطية بعد معرفة أن العراق يطفو على بحر من النفط.