من حق المواطن معرفة السلع التي يقتنيها وينفق فيها أمواله، مكوناتها، مصدرها، موادها الأولية وسعرها، وما إذا كانت تسبب ضررا له أو لغيره، فيكتب على علب الدخان مثلا، نسبة النيكوتين والقطران الذي تحتويه، إضافة لتحذير من الأمراض التي يسببها التدخين، كما يكتب على كثير من المواد الغذائية ما تحتوي عليه من دهون وأملاح ومكونات أخرى، بل أن بعض المطاعم في العالم الخارجي (خارج العراق) ملزمة بكتابة ما تحتويه أطعمتها من السعرات الحرارية في قائمة الأسعار الموزعة على موائد المطعم. وما دمنا قد تجاوزنا الحدود (حدود العراق) دعونا ندخل أول محطة تعبئة وقود تصادفنا، ففي أية دولة هناك عدد من المضخات داخل كل محطة تزود سيارتك بالوقود الذي يلائم محرك سيارتك، ومحفظة نقودك بحسب الرقم الأوكتايني للجازولين (يتراوح ما بين 80 – 95)، وبعض السيارات تحتاج إلى جازولين برقم أوكتاني معين أو لا يقل عن رقم محدد، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يحتاج إلى أوكتان أعلى. الخيار لك، وإن لم تختر فسيسألك عامل المحطة عن \”رقمك الأوكتايني\”، يقصد رقم بنزينك المفضل، وبعض أنواع البنزين أصبحت ممنوعة دوليا لاحتوائها على نسبة عالية من الرصاص ثبت ضررها على دماغ الإنسان، وخاصة الأطفال من خلال عادم السيارات، إلى جانب الرقابة الشديدة التي تفرض على وضعية محركات السيارات وكمية التلوث الذي تنتجه، حيث يجري فحصها سنويا ومنع السيارات التي تحتاج إلى صيانة من السير، حتى انجاز صيانتها. في العراق لا زلنا نطلق على بطاقة تعريف المركبة (سنوية) لأنها تتغير كل سنة بعد إجراء فحص المتانة والأمان، رغم أن هذا النظام لم يعد يعمل به منذ عقود.
البنزين لم يعد (عادي ومحسن) كما كان قبل خمسين سنة، لأن محركات السيارات لم تعد كما كانت، ولأن الوعي البيئي بأضرار المحروقات لم يعد كما كان، ورغم أن استيراده وتوزيعه (نعم استيراده، نحن نستورد البنزين) محصور بوزارة النفط حسب علمنا، إلا أن الجدل حول ما إذا كان النوع المستخدم في العراق مسببا لتلف الدماغ لدى الأطفال، الجدل الذي استعر منذ سنوات بين من يؤكد ومن ينفي قد انتهى دون نتيجة، وبقينا نملأ خزانات سياراتنا، ومولدات كهربائنا منه، مكتفين بدعاء \”اللهم ارزقنا خيره وجنبنا شره\” وكأن من الصعب اخذ عينة من أية محطة تعبئة وفحصها لفض هذا الجدل الممل.
عندنا في العراق لا نعرف أي شيء عما يدخل في بطوننا من أطعمة ومياه، ولا في خزانات سياراتنا من وقود، ولا نعرف شيئا عن الطلاء الذي ندهن به جدراننا، ولا عن المعدن الذي صنعت منه ملاعقنا، ولا عن الجلد الصناعي الذي تصنع منه الأحذية المستوردة (يقال إن بعضها له علاقة بسرطان الجلد). ولا نريد أن نعدد كل السلع المغرقة بها أسواقنا من كل مناشئ الأرض. نحن باختصار نجهل كل شيء عن أي شيء، لا نعرف ماذا ننشر في الجو بدعسة بنزين واحدة، ولولا ما تنشره المراكز الدولية المعنية بمراقبة البيئة ومستويات التلوث لبقينا على جهلنا. ففي التقييم العام للنشرة البيئية العالمية المتكون من خمسة مستويات، يقبع العراق في المركز الأخير من المستوى الخامس التسلسل (132) أي أنه أسوأ بلد على سطح الأرض في مجالات تطبيق إجراءات مكافحة التلوث.
أسئلة كثيرة يعتبر المسؤولون إجاباتها من أسرار الدولة لا يجوز كشفها للعامة، ولا يسمح لكاميرات الصحفيين، ولا لأقلامهم الاقتراب منها، إما لأنهم يجهلون الإجابة عنها أو أن الإجابة عنها تكشف عن جوانب فساد لا يريدون لها أن تنكشف. وما دامت مسألة إيصاد الأبواب أمام صحفي، لا تهز عرش وزير، ولا تثير انتباه نائب، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يلجأ للسماء!
imadabbass@yahoo.com
* كاتب عراقي