بينما ينهمك معين المظفر المصور البصري المخضرم، في عمله الجديد كأمين لمكتبة نادرة في البصرة، وهو يسجل العناوين في دفتر صغير، يبحث اثنان من المثقفين الشباب عن كتبٍ تهمهم، في حين يعج في الخارج الزقاق الصغير المتفرع من محلة البجاري القديمة، ذات البيوت الشناشيلية، بضجيج العمال اليوميين الذين لا يقرؤون، لكنهم ينظرون للمحل الصغير الذي تحول الى مكتبة بعد أن دكاناً لتأجير آلات البناء، باحترام.
المكتبة مشروع مغامر لروائي بصري، وضع بمدخراته الشخصية من أجل تأسيس مكتبة غير ربحية، يحاول من خلالها أن يشيع ظاهرة القراءة بقوة بين البصريين، طامحاً ان يعيد \”مجد\” المدينة قبل عقود.
وليس بعيداً عن المكتبة، يقع مقهى يتجمع فيه الأدباء، ما بات يشكل مع المكتبة توأما جميلا في ذات الزقاق المهمل، حيث يجد علي عباس خفيف، صاحب المكتبة الجديدة، أن \”ذلك سيكون حافزاً قوياً على ازدياد المعرفة\”.
ويقول خفيف في حديث مع \”العالم الجديد\”، إن \”هذا المشروع هو استعادة لذخيرة المدينة في البصرة، أحاول أن أقدم مبادرة حقيقية تسهم بزيادة القراء، علينا أن نحافظ على هذه المدينة من الذبول\”.
وأطلق خفيف على مكتبته، اسم \”المكتبة\”، معتبراً أن تكرار الاسم، يشي بمزيد من الأهمية، ويحفز الآخرين على التفكير بأهمية المشروع، ويكشف أن مكتبته تقدم خدمة نادرة.
وخلف الواجهة الزجاجية، تشمخ الرفوف، وهي تحمل العشرات من الكتب الجديدة والقديمة، بعناوين مختلفة، إلا أن هناك زاوية تحتشد فيها كتب صدرت في سنوات وعقود مضت، بعناوين بعضها نادرة.
ويوضح خفيف، أن \”مكتبة المكتبة تقدم خدمة جديدة وهي الاستعارة بسبب أن هناك من لا يستطيع الشراء، أو لندرة المطبوع، الذي يضطرني الى عدم بيعه لئلا يحتكره أحد لنفسه فقط\”.
ويلفت الى أن \”خدمة الاستعارة، هي استعادة لتقليد كان معروفاً في مكتبات البصرة في الستينيات والسبعينيات، لكنه بدأ بالتلاشي فيما بعد، والآن نستعيد ذلك التقليد\”، مضيفا أن \”أغلب العناوين هي لمطبوعات قديمة، أو كتب نادرة الآن، لذا فضلنا أن تكون استعارة\”.
ويوفر خفيف عناوين مكتبته بـ\”أسعار بغداد\”، ولا يضيف عليها سوى 500 دينار فقط، كسراً لظاهرة تحميل سعر الكتاب مبلغاً إضافياً، كما تسير عليها المكتبات التجارية في البصرة.
ويدوّن معين المظفر، وهي يجلس متطلعاً الى الزقاق الذي لم يفارقه منذ عقود، أسماء من يستعيرون من المكتبة، عناوين، ويضع قبالة الاسم تاريخ الاستعارة ونفاذها.
ويعرب خفيف عن أمله بأن يجد مكاناً اكبر لمشروعه الذي انطلق منذ نحو شهرين، فهو يطمح الى تأجير قاعة كبيرة، يكون فيها صالة للمطالعة، واخرى للفعاليات الثقافية والسينمائية.
وعلى الرغم من ان المشروع لا يدر اموالاً تغطي تكاليفه، غير ان خفيف يصّر على تمويله، فهو يدفع شهرياً نحو 800 الف دينار (نحو 660 دولار) من مدخراته، كايجار للمكان، ولأمين المكتبة، وتكاليف الكهرباء الاهلية، ويبدي استعداده للاستمرار، ويبين \”لقد اودعت مبلغاً في البنك لتمويل المشروع، هذه البداية فقط\”.
يحلم الروائي علي عباس خفيف، على الرغم من انه عنون روايته الأولى بـ\”حينما خرجت من الحلم\”، بانشاء مركز ثقافي كبير، يحتوي على مكتبة، وصالة للقراءة، وكاليري للفنون، وصالة سينما، يوظف فيه عددا من المثقفين اليافعين او الشباب، يموّل جزءاً منه، فيما يمول المركز بقية التكاليف.
ولا يخفي خفيف أفكاره المستقبلية، وينوه الى انه \”سعى الى الحصول على قطعة أرض من بلدية البصرة، كمساطحة، لبناء المركز الثقافي على عدة طبقات\”.
ويبدي استعداده ايضا لشراء ارض في مركز البصرة، ان فشلت محاولته مع السلطات الحكومية.
الجمعة الماضية، بادرت مكتبة \”المكتبة\” بتنظيم معرض للكتاب، على ارض البيت الثقافي في البصرة، بمشاركة 13 دار نشر عربية ومحلية، على مدى أسبوع كامل، وبأسعار تنافسية.