صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

روايتان لـ«مكالمة روبيو».. والضغوط الأمريكية تتسع

منذ وصول دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، يواصل البيت الأبيض ضغوطه على الحكومة العراقية، وآخرها ما نقله وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني عبر الهاتف، في ما يتعلق بالحد من النفوذ الإيراني وما يخص الاستقلال في ملف الطاقة وتصدير نفط الإقليم.

وخرجت روايتان مختلفتان عن تفاصيل المكالمة التي جرت مساء أمس الأول الثلاثاء، وهو ما يعزوه مقرب من حكومة السوداني إلى “اختلاف الأولويات والتصورات”، فيما أكد مراقبون على ضرورة أن يفي العراق بالتزاماته وتقديم مصالحه العليا على أي بلد آخر درءا للعقوبات وتنفيذا لوعوده التي لم ينفذها في عهد الرئاسة الأمريكية السابقة.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “اتصال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ناقش قضايا مهمة تتعلق بالعلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية، لكن وفقا للخارجية الأمريكية، تركزت المحادثات على الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة، بالإضافة إلى استئناف تشغيل خط أنابيب العراق-تركيا في أقرب وقت ممكن”.

ويقر الهلالي بأن “هناك بعض التباين في البيانات الصادرة عن الجانبين الأمريكي والعراقي بشأن تفاصيل المكالمة، وهو ما يشير إلى اختلاف في الأولويات والتصورات بين الطرفين”.

ويشير إلى أن “الجانبين تحدثا أيضا حول ضرورة احترام الشروط التعاقدية للشركات الأمريكية العاملة في العراق، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. تم التأكيد أيضا على أهمية مواصلة الجهود المشتركة لمنع عودة ظهور تنظيم “داعش” وضمان استقرار المنطقة”.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، كشفت أمس الأربعاء، تفاصيل جديدة تتعلق بالاتصال الهاتفي الذي أجراه روبيو بالسوداني، وقالت المتحدثة باسم الوزارة تامي بروس إن “روبيو ناقش مع السوداني عددا من المواضيع بينها النفوذ الإيراني في المنطقة، وضرورة استقلال العراق في مجال الطاقة، والاستثمارات التجارية الأمريكية”.

وأضافت أن الجانبين اتفقا “على ضرورة أن يصبح العراق مستقلا في مجال الطاقة، واستئناف تشغيل خط الأنابيب العراقي التركي سريعا والالتزام بشروط تعاقد الشركات الأمريكية العاملة في العراق لجذب استثمارات إضافية”.

لكن البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء لم يذكر تلك التفاصيل التي أوردتها الخارجية الأمريكية وجاء في بيان مكتب السوداني، أمس الأول، أن “الاتصال شهد مناقشة مجالات التنسيق بين العراق والإدارة الأمريكية الجديدة، وأطر التعاون في سياق الاتفاقات الثنائية”، كما جرى استعراض التقدم الحاصل في العمل المشترك في مختلف المجالات، والاتفاق على تكثيف التواصل وتعميق التعاون”.

ومن واشنطن، يؤكد من جهته المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما نقله روبيو للسوداني في اتصاله الهاتفي، أمور جدية يلزم أن لا يتساهل معها العراق أو يتجاهل الالتزام بها، وهي ليست رسائل بمقدار ما أنها توقيتات لالتزامات كانت بغداد قد تعهدت بها للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الزمنية الماضية لكن إدارة الرئيس السابق بايدن كانت متساهلة معها لأسباب عدة منها الحروب في المنطقة، أما ترامب فليس من طبيعته التساهل بالقرارات التي يتخذها كما انه يستعجل التزام الآخرين بوعودهم التي يقطعونها على أنفسهم”.

ولذلك، يشير حيدر، إلى أن “الوزير الأمريكي عندما ذكَّر السوداني بـوجوب التزامه بتعهده في ملفين اثنين على الأقل، ألا وهما؛ فك ارتباطه بالجارة الشرقية في كل ما يخص العقوبات، وعلى راسها موضوعة البترول والغاز والدولار، وملف حصر السلاح بيد الدولة رافضاً أي جدول زمني جديد للتنفيذ والالتزام، فان ذلك يعني انه ليس أمام السوداني وقتاً للتفكير للالتزام وإنما يلزمه ان يتخذ قرارات ثورية عاجلة ستصب في نهاية المطاف لصالح العراق ومصالحه الوطنية العليا وتحمي امنه القومي، لأنها ستجنبه أية آثار مباشرة او غير مباشرة الناتجة عن سياسة (اقصى العقوبات) التي يتخذها ترامب ضد إيران”.

وفي حال لم يلتزم العراق بتعهداته في هذه الملفات وغيرها، يحذر حيدر من أن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة أمام ترامب، وهو قادر على فعل الكثير ليرضخ السوداني كما يرضخ الآن حلفاء واشنطن في العالم الواحد تلو الآخر، فالعقوبات القاسية التي يفرضها على حركة الدولار والبترول في المنطقة والعالم سيتضرر منها العراق بشكل كبير ومباشر اذا فشلت بغداد في مكافحة عمليات التهريب وغسيل العملة”.

كما يضيف أن “أي سلاح خارج سلطة الدولة، خاصة الذي تورط بهجمات سابقة على المنشآت الأجنبية على الأراضي العراقية معرض للتصفية المباشرة اذا فشل القائد العام في ضبطه والسيطرة عليه وتفكيك تنظيماته المسلحة التي تنشط خارج السياقات الدستورية والقانونية”.

ويعتزم الاطار التنسيقي، عقد اجتماع طارئ خلال اليومين المقبلين لمناقشة تفاصيل الاتصال وما دار خلاله، وبحسب القيادي في تحالف الفتح عدي الخدران، فإن “من المتوقع ان يكون هناك اجتماع طارئ، ومهم للإطار التنسيقي خلال اليومين المقبلين من أجل مناقشة ما جاء برسائل التحذير او التهديد الأمريكية التي نقلها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للخروج بنتائج واتفاق تبعد العراق عن أي عقوبات او قرارات أمريكية، قد تؤثر سلبا على الوضع العراقي الداخلي”.

إلى ذلك، يجد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الضغوط الدولية والأمريكية على العراق أصبحت كبيرة جدا وفوق طاقته، لأن هناك مجالات ومنافذ شتى يتم الضغط من خلالها، والعراق غير قادر على مواجهة هذه الضغوط لا اقتصاديا ولا شعبيا ولا أمنيا”.

ويضيف الدعمي، أن “العقوبات الأمريكية على إيران نافذة لا محالة، وكذلك على الدول التي تتعاون مع إيران وتتساهل معها، والعراق هو المتهم الأول بذلك، لذا اعتقد أن على الحكومة أن لا تقف مكتوفة الأيدي وتعالج ذلك بأسرع وقت لأن تفضيل مصلحة العراق على أي بلد آخر بما فيها إيران ضرورة ملحة”.

الجدير بالذكر أن مصادر سياسية مطلعة في العراق كشفت، في 18 كانون الأول ديسمبر 2024، عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أمريكية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المتفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم، فيما ربطها سياسيون بـ”مؤامرات داخلية” تستهدف إضعاف المكون “الأقوى”، وخلخلة الاستقرار الأمني في البلاد.

إقرأ أيضا