قلل متخصصون بالاقتصاد من أهمية المبادرات التي تطرحها الحكومة لتشغيل الشباب، لاسيما الأخيرة منها “ريادة”، وذلك بسبب ضعف القطاع الخاص وعدم تحريكه، فضلا عن البيروقراطية التي تصطدم بها هذه المبادرات، مؤكدين أن كل الحكومات السابقة طرحت مبادرات مشابهة، لكنها لم تنفذ بشكل صحيح، وتبقى مجرد خطط، وهو ما يحصل الآن أيضا.
ويقول الصحفي المتخصص في الاقتصاد علي كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المبادرات التي أطلقها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومن سبقه من رؤساء الحكومات هي مبادرات جيدة، ولكنها للأسف تطلق من دون تنفيذ، وهذا هو أساس الفشل الاقتصادي في العراق، حيث يفترض أن ترسم الخطة وتنفذ مباشرة، لكنها تصطدم بالبيروقراطية الموجودة في دوائر الدولة من جانب وببعض المتنفذين والأحزاب ممن يقفون بالضد من هكذا خطط من جانب آخر”.
ويضيف كريم أن “هذه الخطط يجب أن ترافقها برامج طموحة من خلال تشغيل القطاع الخاص والذهاب نحو دعم فئة الشباب وتشغيلهم، لأن تنمية المهارات تتطلب توفير الجانب العملي والمهني، فإذا كانت هذه الدورات والخطط تكتفي بالتنفيذ النظري فلن يستفيد منها الاقتصاد العراقي ولن يتم القضاء على البطالة المنتشرة بين الشباب الذين يشكلون نسبة عالية من الفئات الأخرى كالنساء والأطفال وكبار السن”، لافتا إلى ضرورة “دعم القطاع الخاص بتشغيل الشباب الخريجين وذوي الاختصاص من غير الخريجين ممن يمتلكون مهارات ومهن كالخياطة والتصليح والطبخ”.
ويؤكد الصحفي الاقتصادي على أهمية “العمل بعد رسم الخطة، وعدم الاكتفاء بالمبادرة ورسم الخطة، فهذا يجعلها كباقي المبادرات السابقة التي لم يحصل منها الاقتصاد العراقي على شيء، كالمبادرة الزراعية ومبادرة الإسكان والمبادرة التي أطلقتها حكومة الكاظمي وحكومة عادل عبد المهدي او العبادي فكلها مجرد حبر على ورق، ولذلك يجب التنفيذ على ارض الواقع من خلال تشغيل الشباب خاصة وانه لدينا في العراق مصانع كثيرة نستطيع من خلالها مواكبة التطورات العالمية”، مشير إلى أنه “في حال تم تشغيل هذه المصانع وفق برنامج الريادة الذي تتبناه حكومة السوداني سوف نتمكن من تشغيل 500 ألف شاب على مستوى العراق بين خريج وغير خريج مما يقضي على البطالة بنسبة 30 بالمئة”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أطلق في ساعة متأخرة من ليلة أمس الأول، مبادرة ريادة للتنمية والتشغيل، والتي تستهدف المواطنين بالأعمار (16-50) سنة في جميع المحافظات، وتهدف إلى تحفيز فئات الطلبة والشباب على التفاعل مع متغيرات سوق العمل والتطوّر التكنولوجي واستثمار المهارات الفردية والمواهب والقدرة على الابتكار.
وأكد السوداني خلال إطلاقه المبادرة: أن المبادرة ستكون على محورين الأول: هو أن نبدأ بالإمكانيات والكفاءات المتاحة للتدريب في السنة الأولى وصولاً إلى مايقارب 100 ألف مشارك، نساءً ورجالا وكما يلي: (في 20 منتدى للشباب من أصل 50)، وفي ( 34 مركز تدريب مهني) وفي (15 حاضنة أعمال ) وفي (54 إعدادية مهنية من أصل 334) وفي (75 شعبة تأهيل وتوظيف جامعي من أصل 383)، والمحور الثاني هو تأهيل أكثر من ألف (قائد تدريب) في الجامعات والإعداديات المهنية لجعلها مكاناً للريادة، وستتضاعف الأعداد في السنين القادمة، ولن ندّخر جهداً لتحقيق ذلك.
واعتمدت المبادرة على منصة إلكترونية، يمكن من خلالها التقديم للراغبين بالانضمام لها، وأعلن يوم أمس عن إطلاق الرابط الخاص بالمنصة.
وكان مجلس الوزراء، قرر الأسبوع الماضي، وبهدف تغطية نفقات مبادرة تأهيل وتدريب الشباب الباحثين عن فرص العمل، وتطوير مهاراتهم الرقمية، وتنمية قدراتهم لمواءمة سوق العمل، قرر قيام هيئة الإعلام والاتصالات بصرف مبلغ 25 مليار دينار من حساب الخدمة الشاملة، لتمويل المبادرة في عموم المحافظات.
بدوره، لا يجد الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، جديدا في هذه الخطوة، وهذه “المبادرات نراها في كل حكومة جديدة من غير أن يقع أحد على العلة، فليس هناك قطاع خاص فاعل لاحتضان الشباب المتدربين”.
ويضيف جبار أن “هذه المبادرات غالبا ما تشهد غياب الموضوعية وهي تترنح بين النجاح والفشل لعدم وجود دراسة حقيقية للسوق، وما لاحظناه أن جميع المبادرات السابقة لم تلق النجاح”.
وبشأن روابط التقديم على الانترنت، يذكر أن “هذه العملية اعتقدنا أن تواجه تعقيدا لكن فوجئنا أن أعداد المتقدمين للمبادرات والمنح وغيرها من المنصات التي أطلقت في أوقات سابقة كانت كبيرة”.
وكانت “العالم الجديد”، سلطت الضوء على قضية تطوير مهارات الشباب، بعد أن اقترحت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تعديل قانون العمل لتكون نسبة العمالة المحلية في الشركات الاستثمارية 70 بالمئة مقابل 30 بالمئة للأجنبية.
وكان السوداني، ترأس في كانون الثاني يناير الماضي، اجتماعاً للبحث في إطلاق مبادرة لتأهيل وتدريب وتشغيل الشباب وتمكينهم وتيسير زجّهم في سوق العمل، وذلك بحضور عدد من المسؤولين المعنيين والمستشارين ومحافظ البنك المركزي، ورئيس هيئة الإعلام والاتصالات.
ويشهد العراق منذ سنوات طويلة، تظاهرات مستمرة وكبيرة يذهب ضحيتها العشرات من الشباب نتيجة قمع الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تنحصر مطالب المتظاهرين بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة وتوفير الخدمات وحياة كريمة للمواطن.
من جانبه، لا يرى المختص بالشأن الاقتصادي ملاذ الأمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “هناك حاجة إلى مبادرة لتشغيل الشباب، إنما نحتاج إلى تحريك القطاعات الاقتصادية وخاصة القطاع الخاص، فلو تحرك هذا القطاع وتوسع عمله وسنت قوانين تدعمه فهو من سيتولى مهمة افتتاح مواقع إنتاجية سواء كانت تجارية أم زراعية أو صناعية كما يحاول أن يجذب الأيدي العاملة”.
ويشير الأمين إلى أن “قوانيننا حتى الآن لا تشجع هذا القطاع، إضافة إلى أن هناك تدخل من قبل الدولة بعمل القطاع الخاص، ما يولد مخاوف لدى أصحاب رؤوس الأموال وينهي روح المجازفة في الدخول في مشاريع جديدة وكبيرة”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي حاجة البلاد إلى “قوانين تدعم القطاع الخاص على البعيد يسنها مجلس النواب وتقر بصورة شرعية، فالقطاع الخاص هو من سيتولى مهامه فمثلا أي مواطن يجد في نفسه الكفاءة التي تؤهله لفتح مشروع قد يكلف ٢٠ مليونا الدولة تقرضه هذا المبلغ وتساهم في دعمه وتشجيعه وعند دعمه بهذه الصيغة سيسهم بتشغيل العديد من المواطنين”.
ويلف إلى أن “دعم القطاع الخاص يجب أن يكون على أساس عوامل اقتصادية وإجراءات حكومية كتحجيم الاستيراد والاعتماد على المنتجات الموجودة محليا”.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.