يستمر التصعيد السياسي في العراق، إثر اعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن دعوة الرئيس السوري احمد الشرع لحضور القمة العربية المقرر في بغداد، وسط انقسام محلي بين معارض لفكرة الزيارة بحجة تاريخ الشرع في العراق والمؤيد لها بحجة مصالح العراق العليا.
فبعد تلويح الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، بالقبض على الشرع فور وصوله إلى بغداد، أعلن حزب الدعوة الإسلامية اليوم الأحد، رفضه “غير المباشر” لزيارة احمد الشرع الرئيس السوري الانتقالي، الى بغداد للمشاركة في القمة العربية، مشددا على ضرورة التأكد من خلو السجل القضائي العراقي والدولي من كونه مطلوبا.
وقال الحزب في بيان تلقته “العالم الجديد”، إن “العراق يتطلع إلى القمة العربية في بغداد، بغداد الخير والسلام، أن تكون نقلة نوعية في مسار العمل العربي المشترك، ومواجهة التحديات العاصفة، وأن ترتقي مخرجاتها إلى مستوى ما تترقبه الشعوب العربية، من سواحل المحيط الأطلسي إلى ضفاف الخليج، ولا سيما في نصرة القضية الفلسطينية، وإنهاء معاناة شعب غزة ومأساته المستمرة جرّاء العدوان الصهيوني المتمادي”.
واعتبر إن “التئام العرب والمسلمين، ووحدة صفوفهم في هذا الظرف العصيب، باتت ضرورة وجودية في ظل عواصف الأحداث التي تستهدف حاضرهم، ومستقبل أجيالهم، وثرواتهم، وأراضيهم”.
وأكد أنه “في الوقت الذي ندرك فيه أن من مستلزمات ميثاق جامعة الدول العربية والالتزام بأعرافها، دعوة جميع الدول بلا استثناء، لا بد من مراعاة خلو السجل القضائي، العراقي أو الدولي، من التهم أو الجنايات، لمن يشترك في أعمال القمة العربية على أي مستوى من مستوياتها، وهذا ما ينص عليه القانون الدولي، إذ إن دماء العراقيين ليست رخيصة حتى يُدعى إلى بغداد من استباحها، واعتدى على حرماتهم، أو أن يرحب بمن تورط بجرائم موثقة بحقهم”.
أشار إلى انه “الجدير ذكره أن رئيس وزراء الكيان الغاصب (بنيامين نتنياهو) لا يمكنه الزيارة أو المرور بالعديد من الدول الأوروبية، بسبب حكم المحكمة الجنائية الدولية الصادر بحقه، وقد رفضت حكومات وعواصم استقباله، مراعاة لمشاعر شعوبها، والتزاما بالحكم القضائي الدولي”.
واعتبر أن “هذا ما يجب فعله في العراق أيضا، تجاه من تورطوا بجرائم فضيعة ضد أبنائه، مهما كانت المبررات، احتراما للدم العراقي ووفاء للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل عزة الوطن وكرامته”.
وعلق زعيم حركة “عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي في تدوينة على منصة (اكس)، أمس السبت، بشأن الزيارة المزعومة لرئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع إلى العراق، فيما أشار إلى أنها “سابقة لأوانها”، مبينا أنها قد تؤدي إلى تداعيات إذا تم تطبيق القانون واعتقاله من قبل القوات الأمنية نظراً لوجود مذكرة اعتقال نافذة بحقه”.
وخلال اليومين الماضيين، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لقاء سريعا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة القطرية الدوحة.
ومثّل هذا اللقاء ضربة مفاجئة لقوى الإطار التنسيقي الحاكم في البلاد، حيث أنها ما تزال تصنف القيادة السورية الجديدة في خانة الإرهاب، في حين يرى مراقبون أن التصعيد الإطاري والولائي ضد سوريا الجديدة يرجع إلى أبعاد طائفية ومذهبية من جهة، وإلى الإملاءات الإيرانية التي تحاول وضع العراقيل أمام إدارة أحمد الشرع وإفشاله عبر أتباعها في العراق من جهة أخرى.
لكن لقاء السوداني والشرع لم يك مفاجئا للكثير سواء في بغداد أو دمشق، إذ مهدت له زيارتان متبادلتان من الجانبين في وقت سابق، الأولى عندما أجرى رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري زيارة إلى دمشق مطلع العام الحالي، والثانية عندما زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بغداد والتقى برئيس الحكومة والرئاسات الأخرى الشهر الماضي.
وكان المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “السرية التي أحاطت باللقاء لا تبدو عفوية، وقد تدل على حساسية كبيرة في مضمون النقاشات، سواء تعلق الأمر بملفات إعادة تموضع بعض القوى، أو بتفاهمات أمنية لا يمكن تمريرها عبر القنوات الرسمية دون إثارة توتر داخلي”، مبينا أن “تحفظ السوداني على إعلان تفاصيل اللقاء قد يفهم كمحاولة لكسب الوقت أو احتواء ردود الفعل داخل البيت السياسي العراقي، وربما بانتظار نضوج نتائج هذا التواصل لعرضها في سياق سياسي أوسع وأكثر قابلية للتقبل”.
ولم يكن اللقاء منفصلا عن مشهد إقليمي آخذ بالتبدل، حيث ظهرت مؤشرات التقارب السعودي الإيراني، والمحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران.
وبالتزامن مع اللقاء، جرى تداول وثائق تكشف أن الشرع كان معتقلا في العراق منذ الرابع عشر من أيار مايو 2005، بموجب مذكرة صادرة عن مجلس القضاء الأعلى، وقد تم تسجيله حينها باسم وهمي هو “أمجد مظفر حسين النعيمي” في دائرة الإصلاح بسجن التاجي.
ويرى خبراء القانون أن “الشرع حالياً بحكم رئيس دولة، وبموجب القوانين العراقية والدولية، فإن رؤساء الجمهورية لهم حصانة، لذلك لا يمكن للعراق محاسبة أي رئيس جمهورية عن أي جريمة كانت بموجب هذه الحصانة، وبالتالي أي قضية سابقة على الشرع هي ساقطة بموجب القانون لحصانته ولا يمكن محاسبته عليها”.
وكشفت “العالم الجديد”، خلال الشهر الماضي، أن السوداني، قام بتشكيل خلية أزمة للتعامل مع دمشق وإدارة ملف العلاقات معها، تضم شخصيات سياسية وحكومية تتمتع بصلات جيدة مع تركيا الراعية للنظام الجديد في سوريا، وهم كل من وزير الدفاع ثابت العباسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ورئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، فضلا عن القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين الحجيمي، وذلك لحساسية ملف سوريا والتعامل مع حكومتها الجديدة في ظل رفض أطراف داخل الإطار التنسيقي (الشيعي) لها”.
يشار إلى أن اتصال جرى بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مطلع نيسان أبريل الجاري، ورئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أكد خلاله دعم العراق لـ”خيارات الشعب السوري”، إلى جانب عدد من القضايا المهمة، جاء ذلك بعد حذر عراقي من التفاعل مع التطورات السورية خلال الأشهر الماضية، حيث يعكس هذا الاتصال أثر المتغيرات في الظروف الإقليمية على إجرائه، ويؤشر إلى حد ما إلى كسر القيود السياسية المفروضة على السوداني من قبل بيئته السياسية، ممثلة بـ”الإطار التنسيقي” الحليف للأسد، وكذلك الفصائل المسلحة التي تشكلت منها حكومة السوداني، والتي حاربت على الجغرافية السورية للدفاع عن الأسد كخيار استراتيجي وعقائدي.
ولا يستبعد مراقبون للشأن السياسي حضور الشرع في قمة بغداد المرتقبة، وذلك لان الدعوة الرسمية توجهت له حسب البروتوكولات المعمول بها في الجامعة العربية، وبغداد ودمشق ستتفقان في النهاية على طبيعة المشاركة السورية في القمة المقرر إجراؤها في آيار مايو المقبل.
كما يرى البعض أن مشاركة سوريا في القمة العربية يمكن أن تساهم في تعزيز الحوار العربي وإيجاد حلول للأزمات الإقليمية، حيث يعتبرون أن استمرار الحوار والتنسيق بين العراق وسوريا يمثل نموذجا للتعاون الإقليمي في مواجهة التحديات المشتركة.