يشهد العراق جدلا سياسيا طوال الأسابيع الماضية بعد تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول بقاء قوات واشنطن في العراق، تلاها الإعلان عن زيارة منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، والمنسق الرئاسي الخاص للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة آموس هوشتاين، فيما تطالب فيه ميليشيات وأحزاب عراقية بطرد القوات الأمريكية.
وينقل موقع سبوتنيك، عن خالد النعيمي، الكاتب والباحث في الشأن السياسي والأمني العراقي، قوله: “تأتي زيارة بريت ماكغورك إلى بغداد وأربيل ولقاؤه بعدد من المسؤولين العراقيين، لتأكيد سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ احتلال العراق في نيسان أبريل 2003”.
التحكم الأمريكي
وأضاف النعيمي، أن “واشنطن تعد العراق المجال الحيوي المهم لها، ولن تسمح لأي طرف دولي أو إقليمي التحكم أو المنافسة و المساس بمصالحها في هذا البلد، سواء في الجوانب الأمنية والاقتصادية والتجارية، وكذلك في موضوع الطاقة والنفط والغاز، بل وصل الأمر إلى عرقلة بعض عقود الكهرباء مع شركة سيمنس الألمانية التي زارها السوداني الأسبوع الماضي لإعادة البحث في هذا الملف المتلكئ”.
وأكد “في ظل هذا الوضع فإن التواجد العسكري الأمريكي في قواعد ومفاصل مهمة في العراق، أمر قائم رغم كل الادعاءات أو الدعوات التي يطلقها بين الحين والآخر مسؤولين حكوميين وقادة أحزاب وميليشيات تدّعي بأنها فصائل مقاومة للوجود الأمريكي في العراق، وقد استطاعت استحصال قرار من البرلمان في أعقاب اغتيال سليماني والمهندس في حكومة عادل عبد المهدي بانسحاب كامل للقوات الأمريكية من القواعد والمعسكرات الموجودة فيها بما في ذلك إقليم كردستان، الذي رفض النواب الأكراد وكذلك النواب السنة حضور تلك الجلسة”.
أدعياء المقاومة
وأوضح الباحث الأمني: “لقد تكشفت مواقف أدعياء المقاومة وفصائل الحشد الشعبي وكذلك قوى الإطار التنسيقي، بأنهم كانوا يزايدون ويخدعون الرأي العام وباقي الشركاء في العملية السياسية باستخدام هذه الشعارات، بدليل توقفهم نهائيا عن استخدام الكاتيوشا والمسيرات ضد مراكز التواجد الأمريكي وقوات التحالف والسفارة منذ قيامهم بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، الذي أعلن قبل أيام بأن الحاجة لوجود قوات التحالف والقوات الأمريكية في العراق لا تزال قائمة للمساعدة في مكافحة الإرهاب”.
وتابع: “ما يؤكد حقيقة موقف المسؤولين العراقيين ما صرح به قبل أيام المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية (ديفيد سينكر) بأن الكثير من المسؤولين العراقيين الذين يدعون إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق في العلن يقولون عكس ذلك تماما في السر”.
زيارة قاآني
وأشار النعيمي إلى أن “زيارة قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى العراق، تدخل في إطار المحافظة على المكاسب ومواقع النفوذ التي حققتها إيران في العراق بعد احتلاله من قبل الأمريكان والتي تشعر بأن قبضتها في العراق بدأت تضعف منذ اغتيال قاسم سليماني قرب مطار بغداد في عملية مخابراتية نوعية أقدمت عليها إدارة ترامب، لذا فإن المنافسة أو التخادم أحيانا بين أمريكا وإيران سوف يستمر لفترة طويلة قادمة”.
أوروبا وأمريكا
من جانبه، يقول مهند الراوي، الباحث السياسي العراقي “العراق بلد مهم بالنسبة لواشنطن لا سيما وهو يعد من كبار منتجي النفط، حيث تعمل أمريكا على استنزاف روسيا بالحرب مع أوكرانيا، حيث أثرًت العملية العسكرية بشكل كبير على إمدادات النفط والغاز التي تحتاجها الدول الأوروبية، وتراجعت كميات المعروض بصورة كبيرة، قابلها زيادة كبيرة في أسعار النفط”.
وأكد الراوي في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن “أمريكا لا تريد أن تخسر أوروبا الحرب مع روسيا، وبنفس الوقت تريد أن تضعف أوروبا حتى تكون أوروبا تحت محور أمريكا”.
سياسة براغماتية
أما ما يخص زيارة قآأني للعراق في هذا التوقيت، يقول الباحث السياسي، من وجهة نظري فإن إيران ترى أن استقرار العراق عامل مهم لها في هذا الوقت، لأن إيران تعيش حالة من العزلة بسبب برنامجها النووي، والسياسة الإيرانية هي سياسة براغماتية، تعرف متى تُصًعد ومتى تهدأ”.
ولفت الراوي إلى أن “أمريكا الآن أعطت للعراق بعض المتنفس في الذهاب إلى ألمانيا والتعاقد مع سيمنز وهي تعرف أن خسارة معسكر أوروبا أمام روسيا كارثة تحل بأمريكا”.
الجو العام السائد الآن في العراق “يرتقي إلى مستوى نظرية المؤامرة، لجهة أن الأمريكيين هم من سيحُولون دون تنفيذ الاتفاق العراقي مع شركة “سيمنز” الألمانية ذلك لأنهم يريدون ﻟ(جنرال إلكتريك) أن تتولى ملف إصلاح الكهرباء في العراق، بينما هناك أطراف عراقية لا تريد لأي رئيس وزراء أن ينجح في فك لغز الكهرباء وتريد إبقاء العراق سوقاً لتصريف البضائع الرخيصة فضلاً عن إبقائه بحاجة إلى الغاز الإيراني”، وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في مقابلة نشرتها، الأحد الماضي، أن السوداني قال إن “الحاجة للقوات الأجنبية لا تزال قائمة وأن القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي (محظور في روسيا والعديد من الدول) يحتاج إلى المزيد من الوقت”.
وأشار إلى أن “فرق القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي تدرب وتساعد الوحدات العراقية في مكافحة متشددي التنظيم الإرهابي لكنها تظل بمنأى عن القتال الفعلي إلى حد كبير”.
وتعرضت القوات الأمريكية في العراق لسلسلة من الهجمات من قبل مجموعات عراقية موالية لإيران، العام الماضي، كان آخرها في 20 كانون الأول ديسمبر الماضي، عندما أطلقت صواريخ على المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، حيث توجد أكثر المواقع العسكرية تحصنا في العراق، إلى جانب احتوائها على مقر السفارة الأمريكية ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية أخرى.
يشار إلى أن العراق كان قد أعلن في نهاية عام 2021، انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي وانسحابها من البلاد بشكل رسمي، منهية بذلك مهمتها القتالية التي كانت مكلفة باستئصال تنظيم “داعش” الإرهابي، والانتقال إلى مهمة استشارية لمساعدة القوات العراقية.