أعادت زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى الكويت الحديث عن الملفات العالقة وأبرزها مسألة خور عبد الله وكيفية ضغط العراق بهذا الملف على الدولة الجارة، وفقا لمحللين اقتصاديين وسياسيين، لكنهم أشاروا أيضا إلى أن الزيارة تعد اختبارا لهذه الحكومة بمسألة تعاطيها مع القضايا العربية من جهة وإيران من جهة أخرى، فيما وصفوها بأنها “رسالة تطمين” لدول الخليج بعدم عودة العراق لـ”استعداء العرب”.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الزيارة تأتي في إطار ما أعلنه السوداني من اعتماد مبدأ التوازن في علاقات العراق الخارجية، وهي أيضا في إطار طمأنة دول الخليج العربي من أن العراق لا يمكن أن يعود إلى معادلة حكومة عادل عبد المهدي التي وضعت العراق ضمن المحور الإيراني واستعداء العرب”.
ويضيف الشمري أن “الزيارة تهدف أيضا إلى استكمال الملفات التي تم التباحث حولها والاتفاقات السابقة، وكذلك ما يرتبط ببعض الملفات الحساسة والتي لا بد من أن يكون هناك قرار سريع وتفاهم بين بغداد والكويت حولها”.
ويلفت إلى أن “العراق يمتلك خزينا دبلوماسيا كبيرا مع الدول العربية، لكن هذه الزيارة قد لا تكون كافية بالنسبة لها، كما أن حكومة السوداني ستوضع في دائرة اختبار على مستوى المواقف التي قد يعتمدها العراق تجاه قضايا المنطقة المشتركة وطبيعة تعاطي الحكومة في الداخل العراقي وتعاطيها مع المنظومة العربية بشكل كامل وإيران أيضا، وهي مرحلة اختبار متبادل من قبل الدول العربية تجاه العراق”.
يشار إلى أن السوداني، وصل يوم أمس الأربعاء، إلى دولة الكويت في زيارة سريعة استغرقت ساعات عدة، التقى خلالها ولي عهد الكويت مشعل الأحمد الصباح، بحضور رئيس مجلس الوزراء الكويتي أحمد نواف الأحمد الصباح، وأكد خلال اللقاء حرص العراق على بناء علاقات متوازنة مع جيرانه، تبنى على أساس الاحترام المتبادل وحفظ سيادة البلدين، والسعي لحل العديد من الملفات وفق ما يدعم المصالح المشتركة، ويحقق الاستقرار في المنطقة.
كما أكد السوداني خلال جلسة مباحثات عقدها في الكويت، مع رئيس مجلس الوزراء الكويتي، أن “هذه الزيارة لها دلالات تعبر عن الخصوصية التي تحظى بها الكويت لدى العراق، وتعكس العمق التاريخي في العلاقات بين البلدين الجارين والرغبة في توطيدها على مختلف الصعد والمجالات”.
وفي السياق ذاته، يفيد المحلل السياسي راجي نصير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هناك ملفات كثيرة عالقة بين العراق والكويت على الرغم من تسديد كل الديون العراقية، إلا أن سياسة الكويت ما تزال مستمرة بخنق مشروع الفاو على الرغم من إعلانها إيقاف العمل بمشروع ميناء مبارك الكبير”.
ويواصل نصير أن “الكويت تقوم الآن ببناء جزر صناعية والتقدم باتجاه عمق خور عبد الله المؤدي إلى ميناء الفاو، واكتمال هذه الجزر يعني إفشال مشروع ميناء الفاو، وعليه فإن هذه المواضيع هي أساس أجندة رئيس الوزراء”.
ويضيف أن “ملف الفاو والتجاوزات على المياه الإقليمية ربما كان على رأس ملفات السوداني، خصوصا أن الكويت ليست في موقف يسمح لها بالضغط على العراق إذا ما تحرك بشكل صحيح وأخوي تجاهها”.
يشار إلى أن قضية القناة الملاحية في خور عبد الله، أثيرت مؤخرا، وتم الكشف عن استيلاء الكويت على مدخل القناة الملاحية، عبر إنشاء جزر اصطناعية، مستغلة بذلك عدم ترسيم الحدود البحرية أمميا بعد العلامة 162، والتي تركت لتسويتها بين العراق والكويت.
يذكر أن متخصصين بحريين ومحللين سياسيين، طالبوا في تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، بتقييد العلاقة الدبلوماسية مع الكويت من أجل الضغط عليها بملف خورعبد الله، والتوجه لرفع شكوى أممية ضدها وإثبات أحقية العراق بالمساحة المائية، التي ستؤثر مستقبلا على ميناء الفاو الكبير.
جدير بالذكر أن رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي، اتهم بأنه قريب من إيران وخلق توترا في علاقة العراق مع محيطه العربي، فيما توجه رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، إلى توطيد العلاقة مع الدول العربية وشارك بكافة مؤتمراتها وعقد أكثر من قمة، وخاصة القمة بين العراق ومصر والأردن، كما احتضن العراق قمة بغداد، حيث شاركت فيها دول عربية وأوروبية.
من جانبه، يبين المحلل الاقتصادي ملاذ الأمين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك ملفات كثيرة بُحثت اقتصاديا بين العراق والكويت ولم تُنجز لغاية الآن، منها ضرورة الاتفاق على القناة الملاحية في خور عبد الله التي عليها خلافات كبيرة”.
ويوضح الأمين أن “عمليات التبادل التجاري تحتاج أيضا لمباحثات طويلة للوصول إلى حلول تفيد الطرفين”، مشيرا إلى أن “العراق لا يستطيع الضغط على الكويت اقتصاديا، لأنها دولة مستقلة ولديها علاقات قوية، ولكن يمكنه الضغط من خلال العلاقات الأخوية بين البلدين”.
يشار إلى أن مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق الذي عقد في شباط فبراير 2018، كان من أبرز المؤتمرات بعد إعلان التحرير من سيطرة تنظيم داعش، وحصل فيه العراق على منح قيمتها 30 مليار دولار، وشكلت في وقتها ما نسبته 34 بالمئة من الاحتياج الفعلي للبلد، حيث طرحت الحكومة العراقية في وقتها برئاسة حيدر العبادي، مبلغ 88.2 مليار دولار لإعادة الإعمار، على أن تُصرف على مدى 10 سنوات.
يذكر أن النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين، اجتاح الكويت في 2 آب أغسطس 1990، وتم الاستيلاء في حينها على كافة الأراضي الكويتية، وفي 9 آب أغسطس من ذلك العام، أعلن عن ضم الكويت للعراق واعتبارها محافظة عراقية، واستمرت السيطرة العراقية على الكويت طيلة 7 أشهر، ثم تم تحريرها عبر تحالف دولي خاض حربا مع العراق وسميت بـ”حرب الخليج الثانية” انتهت بانسحاب العراق وفرض عقوبات اقتصادية دولية عليه في في مطلع 1991.