مقدمة لابد منها:
عوّدتنا أيامنا العراقية المُظلَلَة بالخوفِ والغموضِ والدَّمِ، أنْ نتلقَّى خبراً رئيسيا في طبخة نشرات الاخبار، ولكثرة تكراره وتداوله في حياتنا المقذوفة في فراغ ٍمن الجنون، بات لصيقا بذاكرتنا المُتعَبَة بصورٍ من موت يوميٍّ لا يمكن أن يكون إلاّ عبثياً.
الخبر مفاده أنَّ: \”جريمة أختطاف وقتل جماعية تم ارتكابها من قبل مجموعة مسلحة، يرتدي افرادها، ملابس قوات أمنية حكومية، وكانوا أثناء ارتكابهم لجريمتهم يستقلون سيارات حكومية، منها ما كانت ذات دفع رباعي\”.. انتهى الخبر.
في موضوعة هذا الخبر الذي بات يستفزني مثلما يستفز آخرين لكثرة ما يتردد على مسامعي وبنفس صياغته ــ مع اختلاف وكالات الانباء التي تبثه ــ أجدني مدفوعا الى طرح سؤالٍ واحدٍ، يبدو خبيثاً، على الاقل بالنسبة لي! ذلك لأنني أُضَمِّنُ الجواب الذي أقصد بين طيّات السؤال، وليس من الصعوبة بمكان على أي قارئ ــ عراقي فقط ــ حتى وإن لم يكن خبيثا على شاكلتي، التوصّل الى ما ذهبت اليه ضمناً.
قد يبدو سؤالي لدى البعض طائفياً، ولدى آخرين مشروعا أو ذكيا أومجرد سؤالٍ أطلقه شخص غبيّ يدَّعى الفَهمَ.
لا بأس.. فليكن ما يكون..أنا، كُلُّ ما شاءني أن أكونَ هؤلاء البعض، ولن أدَّعي غير ذلك: طائفيٌّ، ذكيٌّ، خبيثٌ،غبيٌّ، دعيٌّ، مدسوس وووووو..
لكنْني ــ وهذا هو المهم ــ بصريح القول: لست بعثيا ولا داعشيّا ولا صداميا ولا تكفيريا ولا وهابيا ولا سلفيا ولا قرضاويا ولا قوميا ولا قَطَريا ولا تركيا ولا سعوديا ولا صهيونيا.
يمكن أن اكون: مُلحدا أو علمانيا أو ليبراليا أو غير متدين أو يساريا مسالما على طريقة نيلسون مانديلا وليس ثوريا مسلحاً على طريقة جيفارا.
ويمكن أن أكون: لا شيء على الاطلاق أو مجرد مواطن لا أكثر ولا أقل تغمره أوحال الطرقات في فصل الشتاء، ويقتله الحَرُّ في فصل الصيف. يكافح طيلة حياته من أجل لقمة العيش، ويخاف الحكومة مثلما يخاف الله، بل إن خوفه منها قد يكون أشدُّ وأكثر، لأنه على يقين تام بأنَّ الله قد يغفر ويرحم من يخطئ في السؤال، بينما الحكومة لن تغفر ولن ترحم.
ولكي لا أطيل في مقدمةٍ لا جدوى من الاطالة فيها، عنيتُ من ورائها أن أكشف جانبا جوهريا من هويتي على قدر استطاعتي لكي لا يلتبس القصد من السؤال على القارئ.
السؤال:
لماذا يقتصر ارتداء ملابس القوات الامنية العراقية عندما يتم ارتكاب جرائم شنيعة ضد طائفة ما!؟ والامثلة هنا كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: اختطاف وقتل أكثر من 150 منتسبا لوزارة التعليم العالي قبل عدة أعوام، اختطاف وقتل رئيس واعضاء اللجنة الاولمبية السابق أحمد الحجيّة مع عدد كبير من الذين كانوا يحضرون معه اجتماع اللجنة في نادي النفط وسط العاصمة العراقية بغداد، اختطاف وقتل شيخ عشيرة الغانم في البصرة قبل ايام معدودة!!!!!؟؟؟.
وهكذا يمكننا أن نذكر العديد على شاكلة هذه الجرائم. ألا يمكن أن يكون هذا الإجراء ما هو إلاَّ خديعة خبيثة، هدفها خلط الاوراق وتزييف الحقائق يقف وراؤها قادة ينتمون للقوات الامنية الحكومية، وهؤلاء ليسوا سوى عناصر طائفية كانوا فيما مضى جزءاً من ميلشيات مسلحة طائفية واصبحوا فيما بعد العام 2008 ضمن تشكيلات القوات الحكومية بعد أن صدر قرار دمجها مع الاجهزة الرسمية اثناء حكومة الجعفري، ولتصبح عناصر تلك الميليشيات ـــ وهذا أمر ليس بعيدا عنها لان معظم تلك العناصر تفتقر الى ابسط درجات الثقافة والوعي الوطني ــ بيادق تباع وتشترى من قبل ساسة واحزاب متنفذة، تحركها هنا وهناك، لتصفية حسابات سياسية وطائفية فيما بينها، وفي مجمل صراعاتها لا ترتقي في أعلى مراتبها وقيمها إلاّ إلى اقتسام النفوذ والسلطة والثروة لا أكثر ولا أقل.
ولكي يتم استبعاد الشبهة عن القوات الحكومية وعن تورطها بارتكاب مثل هذه الجرائم، يتم القاء مسؤوليتهاعلى ميلشيات ذات صبغة طائفية معروفة سواء كانت سنيّة أو شيعيّة، مازال البعض منها يتحرك علنا فوق سطح الارض وأخرى تعمل تحتها.
ألا يمكن أن يكون هذا أمراً وارداً في بلد مثل العراق، ساسته واحزابه ــ أثبتت الايام ــ تورطهم بقضايا فساد مالي واداري وسياسي، كانت فيها الشعارات الوطنية غطاءً براقاً لصفقات مشبوهة لم يكن الهدف منها سوى تقاسم الربح من غنيمةٍ إسمها الوطن؟
*كاتب وشاعر عراقي.