صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

سانت ليغو المعدل سيسرق أصواتكم

كان للتحرك الجماهيري الكبير قبل سنتين، وفي معظم أنحاء العراق التي طالبت بإقرار طريقة جديدة وعادلة لاحتساب مقاعد الكتل البرلمانية ومجالس المحافظات من دون حرمان الكتل الصغيرة من أصواتها واعتمدت شعار لا تسرق صوتي، تأثيرها الملحوظ، فقد تم اعتماد طريقة سانت ليغو لاحتساب المقاعد الفائزة وطبق هذا الأمر في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، وأسهم في تحريك الماء الراكد قليلا. وبعد اقرار النتائج كانت معظم الكتل سعيدة بها، وخاصة الكتل الصغيرة التي استطاعت ان تحصل على موطئ قدم في مجالس المحافظات، ولكن كتلة دولة القانون هاجمت هذه الطريقة بشدة لأنها حرمتها من التحكم بمجالس المحافظات وحاولت بشتى الوسائل تغييرها لاحتساب المقاعد وعدم اعتمادها مستقبلا بحجة تفتت الأصوات وعدم تكوين حكومات محلية قوية. ولكن بعض التحالفات الأولية استطاعت إبعاد قسم من الحكومات المحلية الفاسدة وغير الكفوءة وأسهمت في تداول السلطة ومحاولة الخروج من الخندق الطائفي.

لقد اقترح عالم الرياضيات الفرنسي اندريه سانت ليغو هذه الطريقة عام 1912، لتوزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر المتعددة المقاعد، وهي تستخدم في كثير من دول العالم مثل النرويج، السويد، ألمانيا، البوسنة، نيوزيلاند، النيبال، لاتفيا، كوسوفو، الدنمارك، بوليفيا، بولندا والعراق، وفي عام 1980 اثبت العالم الالماني هانس شيبرز رئيس فريق معالجة البيانات في البرلمان الالماني ان طريقة سانت ليغو تعطي نفس نتائج طريقة ديهونت المعدلة وكذلك تمنع خسارة الاحزاب الصغيرة لأصواتها لذلك اعتمدت طريقة سانت ليغو في انتخابات برلمان المانيا منذ عام 2009 وكذلك في انتخابات برلمانات بعض المقاطعات الالمانية، اضافة لانتخابات البرلمان الاوربي.

لكن قانون الانتخابات الجديد الذي اقر في البرلمان العراقي وصدر يوم 4 تشرين الثاني 2013، بعد مخاضات عسيرة وعديدة وضغوط متتالية من قوى محلية ودولية مختلفة لتشريعه قبل وقت مناسب من موعد الانتخابات المقبل، حمل في طياته تراجعا لما استطاعت الجماهير ان تحققه في تحركاتها السابقة، وحسب المادة 14 تم اعتماد طريقة سانت ليغو المعدلة وذلك بتقسيم الاصوات الصحيحة للقوائم المتنافسة على الاعداد التسلسلية 1.6، 3، 5، 7،… الخ. ويعتبر هذا التقسيم تراجعا عن طريقة سانت ليغو الأساسية التي تقسم على الأرقام 1، 3، 5،…، فقط لأنها تعطي افضلية للقوائم الكبيرة على حساب القوائم الصغيرة، علما بان جميع البرلمانات التي ذكرتها سابقا تستخدم الاعداد 1، 3، 5،..الخ عند تقسيم المقاعد، عدا السويد والنرويج والنيبال فانها تستخدم الاعداد 1.4،3،5..الخ وتسمى طريقة سانت ليغو المعدلة، وهي تعطي افضليه للاحزاب الكبيرة على حساب الاحزاب الصغيرة. لكن قام المشرعون في البرلمان العراقي بزيادة العدد الاول ليس فقط الى 1.4 بل استحدثوا عددا اعلى لم يستخدم من قبل في اي برلمان وجعلوه 1.6 لضمان زيادة خسارة مقاعد الاحزاب الصغيرة، بعد ان حاولوا الغاء هذه الطريقة ولم يستطيعوا. ولإثبات مقدار التغيير الذي سوف يحصل على توزيع المقاعد الانتخابية البرلمانية وباستخدام ارقام انتخابية فعلية وليست افتراضية. سأقوم بتطبيق طريقة سانت ليغو المعدلة والمقترحة في القانون الانتخابي الأخير على نتائج محافظة بغداد الاخيرة عام 2013، حيث أضع العدد 1.6 بدلا من 1 الذي استخدمته مفوضية الانتخابات في حينها.

لقد تم تخصيص 54 مقعدا للقوائم للتنافس عليها، اضافة لأربعة مقاعد للأقليات، 2 للقومية التركمانية والأكراد الفيلية و2 للطائفة المسيحية والصابئة. لقد كان مجموع الاصوات الصحيحة بعد الفرز في بغداد 1.567.379. وعند تطبيق طريقة سانت ليغو المعدلة على النتائج الانتخابية سنجد في الحسابات الجديدة ان قائمة دولة القانون ستحصل على مقعدين اضافيين وتحرم كل من ائتلاف العراقية الحرة وقائمة عراق الخير والعطاء من مقعديهما. وستكون النتائج الجديدة لمحافظة بغداد وللكتل التي حصلت على مقعد واحد او اكثر بحسب اعلى الاصوات لأدناها وللكتل التي قد تحصل على مقعد اضافي كما يلي، علما ان البيانات تمثل (اسم القائمة، أصوات القائمة الكلي، عدد المقاعد عند تطبيق سانت ليغو المعدل، عدد المقاعد الحالي وحسب طريقة سانت ليغو).

(ائتلاف دولة القانون: 569178،22،20).

(متحدون: 183716،7،7).

(ائتلاف المواطن: 163022،6،6).

(ائتلاف الاحرار: 137808،5،5).

(ائتلاف العراقيةالوطني الموحد: 80066،3،3).

(تيار النخب الوطنية: 78429،3،3).

(العراقية العربية: 70644،3،3).

(كتلة دولة المواطنة: 48605،2،2).

(تجمع الشراكة الوطنية: 31889،1،1).

(حزب الدعوة الاسلامية/تنظيم الداخل: 24339،1،1).

(تحالف العدالة والديمقراطية العراقي: 23338،1،1).

(ائتلاف العراقية الحرة: 15957،صفر،1).

(قائمةعراق الخير والعطاء: 15162،صفر،1).

وإذا افترضنا ان نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة لبغداد التي خصص لقوائمها 67 مقعدا عدا المقاعد المخصصة للاقليات، فان من المتوقع خسارة 3 مقاعد كانت ستحصدها القوائم الصغيرة وتذهب الى الكيانات الكبيرة، وبنفس الطريقة قد تخسر القوائم الصغيرة ما بين 10 الى 15 مقعدا الى القوائم الكبيرة على مستوى العراق والذي خصص لقوائمها عدا الاقليات ما مجموعه 320 مقعدا، وذلك اعتمادا على تصويت الناخبين وكيفية توزيع الاصوات على الكتل.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تم الاتفاق على العدد 1.6 عند قسمة الاصوات للقوائم بدلا من العدد 1، او اي رقم آخر. وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لنرى ماذا ستكون عليه نتائج انتخابات محافظة بغداد لو استخدمنا أعدادا اخرى غير 1.6. عند استخدام العدد 1.1 او 1.2 ستحصل دولة القانون على مقعد واحد اضافي فقط. اما عندما يكون العدد ما بين 1.3 و1.8 ستحصل دولة القانون على مقعدين فقط اما عند القسمة على العدد 1.9 فستكون خسارة القوائم الصغيرة لثلاث مقاعد، لذلك كلما كبر العدد المقسوم عليه عن العدد 1 فستكون خسائر القوائم الصغيرة اكبر والسبب في ذلك ان اصوات القوائم الصغيرة التي من المؤمل ان تحصل على مقعد واحد فقط ستصغر بنسبة العدد الاول اي 1.4 او 1.6 وستقل فرص منافستها امام الكتل الكبيرة. وكما ذكرنا سابقا بمقالتنا \”هل تأمر سانت ليغو على دولة القانون في انتخابات مجلس محافظة بغداد\”، فان النتائج الانتخابية كانت متطابقة عند استخدام طريقة الباقي الأقوى بصيغة \”هير\” او استخدام طريقة سانت ليغو، وهاتان الطريقتان لا تسرقان اصوات القوائم الصغيرة لتأكلها حيتان القوائم الكبيرة.

إن اصرار دولة القانون على تغيير صيغة سانت ليغو، ونجاحها في جعل العدد الاول 1.6 بدلا من العدد 1، هو لزيادة حصتها من المقاعد وحتى هذا العدد هو اعلى من العدد 1.4 والمعتمد من 3 برلمانات فقط.

إضافة لذلك فان هناك لغما آخر في قانون الانتخابات يتمثل بالمادة 10 وهو الذي يسمح للكتل بان تضع عددا من المرشحين في قائمتها الانتخابية يزيد على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية بالضعف، وهو يمثل ضحكا على عقول الناخبين فلماذا يسمح لأي كتلة بوضع اسماء مرشحين نعرف مسبقا بان اكثر من نصفهم لن يفوزوا. ان معظم القوائم الكبيرة ترشح ضعف عدد المقاعد لتزيد من عدد اصواتها، و في احسن الأحوال، وهو ايضا من المستحيلات، لن تتمكن قائمة ما من حصاد جميع الاصوات، وان حصل ذلك فان نصف عدد مرشحي نفس القائمة سيكونون من الخاسرين. اي ان الاحزاب الكبيرة تعرف مسبقا ان اكثر من نصف مرشحيها، نظريا، لن يستطيعوا الحصول على مقاعد، ومع ذلك يتم الزج بهم في الانتخابات لتجميع اصوات اضافية للقائمة عن طريق ناخبين خسرانين، وهذه الحالة لا توجد إلا في انتخابات البرلمان العراقي. ومعروف جيدا ان هناك عديدا من الاشخاص مستعدون لصرف اموال كثيرة للترشح للانتخابات من قبيل التفاخر والتباهي والعزوة العائلية والمناطقية والعشائرية، وتستغلهم الكتل لهذا الأمر، بل ان الكتل في كثير من الاحيان تتقرب منهم وخاصة اذا كان الشخص له شعبية في منطقته. ومن المفترض ان لا يزيد عدد المرشحين في اي حال عن عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية. سأطلق كلمه الزائدين على المرشحين الذين يزيد عددهم على عدد المقاعد المخصصة للدائرة في اي قائمة، وعند الاطلاع على نتائج انتخابات محافظة بغداد الاخيرة نجد بان عدد الاصوات التي ذهبت الى المرشحين الزائدين كان 172,554 صوتا ويمثل 11.12 بالمائة من مجموع اصوات الناخبين. ولو ان القوائم قدمت فقط 54 مرشحا كحد اعلى وهو عدد المقاعد لوجدنا ان معظم القوائم الكبيرة كانت ستخسر هذه الاصوات، وفي نفس الوقت سنكون قد خفضنا عدد المرشحين الزائدين الذين هم حطب للفائزين من المرشحين.

ان الانتخابات على اساس الدوائر الانتخابية المتعددة المقاعد كما هو الحال في العراق، يتطلب من الاحزاب والقوائم وحتى الافراد ذوي البرامج المتشابهة أن يحاولوا الاندماج في كتلة واحدة حتى يضمنوا عدم تفتت اصواتهم، وذهاب تلك الاصوات الى الكتل الكبيرة، ويكونوا واقعيين في معرفة نقاط قوتهم وعدد الاصوات التي يمكن ان يحصدوها. ان العراق يزخر بالكفاءات والافراد الوطنيين العابرين للطائفية والمذهبية والاثنية ويستطيعون ان يشكلوا كتلا انتخابية تنافس ما يتواجد في الساحة السياسية الآن من تكتلات وقوى أثبتت فشلها في إدارة العراق وأدخلته في دوامة الفساد والمحسوبية والاحتراب الداخلي، فيكفي العراق عشر سنوات من هيمنة الظلام والجهل وتفتيت البلاد الى طوائف وقوميات وتكتلات تخشى الواحدة منها الاخرى، بعد ان كان الناس يأملون في تحررهم من الدكتاتورية والظلم.

* أكاديمي عراقي

malbayaty@yahoo.com

إقرأ أيضا