مئات المعتقلين من الصفوف الأولى في تنظيم القاعدة يختفون بين ليلة وضحاها من سجن ابو غريب، وكأن قوة من كوكب آخر جمدت كل شيء وحسمت الموقف في غضون ساعات فأخرجتهم مرة أخرى أفواجا أفواجا، من اجل ممارسة مزيد من النشاطات الإجرامية، واختفت بقدرة قادر بين عشرات الحواجز العسكرية التي يبدو أنها لا تعيق إلا عامة الناس.
هل سأل أنفسهم ساستنا وقياداتنا الأمنيون ومن يهمهم أمر السجون بشكل عام، كم من الضحايا المدنيين قدم الشعب العراقي اثر نشاطات هؤلاء السجناء، قبل أن يلقى عليهم القبض؟! كم عنصرا امنيا كان ضحية عمليات إلقاء القبض على هؤلاء المجرمين؟! وكم عنصرا امنيا أيضا ذهب ضحية عمليات تحريرهم من السجون؟. أما السؤال الأكثر أهمية هو كم ضحية ستذهب نتيجة لموجات العنف الدموية التي سوف يعاود لمزاولتها من هربوا من السجن؟!
قبل ذلك تكررت القصة في سلسلة طويلة جدا من الحوادث المشابهة التي نسمع عن بعضها ولا نسمع عن البعض الآخر، رغم أن ما لا نسمع عنه ليس قليلا أبدا. لقد وصلت الأمور إلى حدود غير قابلة للتحمل. لا يكاد يمر أسبوع واحد دون ان نسمع عن هروب أو تهريب مجموعة من السجناء، ومن أصحاب الرؤوس الكبيرة المدللين جدا، والذين يتنعمون بكل ما يلزم، فيما يتلوى الأطفال من حرارة الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارص في ظل غياب الكهرباء! بين الحين والآخر نسمع عن اختفاء سجناء مع سجانيهم، أما الحجج التي تساق لتبرير ذلك فحدث عنها ولا حرج! بين لجان التحقيق التي لا نعرف عنها شيئا، وبين انتهازية المعنيين بتلك الملفات ضاع الخيط والعصفور في السيطرة على ملف السجون! هؤلاء المدللون جدا ينتظرون كي تصل إليهم النوبة ليس للبت في مصيرهم قضائيا، بل في أن يشموا نسيم الحرية ليعود بعضهم من جديد يمارس هوايته القديمة في إزهاق النفوس، فيما يفر البعض الآخر بجلده خارج العراق.
يبدو أن بعض أصحاب القرار في العراق أصبحوا يمتلكون حسا إنسانيا فوق العادة لكنهم يدّخرونه فقط في مراعاة المجرمين. يا سادتي إذا كنتم لا تريدون التفريط بهذه الكنوز الثمينة من كبار القتلة وهم بين أيديكم وتريدون الاحتفاظ بهم في السجون فلماذا لا توفرون لهم ملاذا محكم التحصين لا يسمح لهم الهروب، ويبقيهم في متناول اليد! ولو عجزتم عن توفير سجن بتلك المواصفات في العراق، فلنستأجر جزيرة من كوبا كما فعلتها قبلكم أمريكا في معتقل جزيرة \”غوانتانامو\” الكوبية أو في بلدان أخرى. إذا بقيت تلك الظاهرة السيئة دون معالجة فإنها ربما تجبر كل من يلقي القبض على صيد ثمين أن ينهي خبره في نفس اللحظة خوفا من الوقوع في المحذور وتكرار ظاهرة الهروب من السجون التي تحدث بين الحين والآخر.