سعدي يوسف وآكلو \”القيمة\”!

وعدت أصدقاء وصديقات صفحتي البارحة بكتابة رد حول ردود الأفعال القليلة التي أثارها آخر نص للشاعر العراقي المعروف سعدي يوسف والتي أخرجت الموضوع من نقد ما كتبه الأخير إلى ميدان آخر أريد به التشنيع الرخيص على قادة معروفين توقرهم وتحترمهم شعوبهم ولهم أدوارهم التاريخية الكبيرة بصرف النظر عن موقفنا الأيديولوجي منهم وخصوصا مؤسس الاتحاد السوفيتي فلاديمير لينين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ولكي تكون الأمور واضحة وذات سياق مفيد ومنصف سأبدأ أولا بنشر وقراءة نص سعدي يوسف على أن أعود لاحقا لما أثاره من رد فعل معين لدى من رد عليه وأعني جمال جمعة ومن أيده.

لنقرأ أولا نص سعدي يوسف وهو في المناسبة لم ينشر في الصحف التي اعتاد أن ينشر فيها صاحبه نصوصه ولا يمكنني الجزم بكونه أرسله لتلك الصحف فرفضت نشره أم انه لم يرسله وفضل نشره على صفحته الشخصية على فيسبوك وموقعه الشخصي على الانترنيت.. كتب سعدي يوسف يقول وبعدها سأعود لقراءة ما قال:

إنهم يتذكرون الآن بلداً اسمُه عراق

3 أكتوبر، 2013، الساعة 02:23 مساءً

إنهم يتذكّرون، الآن، بلداً اسمُه عراق…

سعدي يوسف

منذ دهرٍ، بعد أن استقرّ الاحتلالُ، ونصّبَ حكوماته العميلة من المعمّمين الكفّار، لم يعُدْ أحدٌ، يهتم بتلك البقعة التافهة، وبأهلها زوّار المقابر، آكلي الرزّ بالحمّص واللحم المثروم…

أعني بالبقعة: العراق.

الكُتّابُ، من عراقيّين، وعرب، وأوربيين، وأميركيّين، صاروا يلاحقون أدقّ التفاصيل عن سوريا: أيّ مدرسةٍ قُصِفَتْ… أي مئذنةٍ هدمَها بشّار الأسد… الخ

تماماً، كما فعلوا، عشيّة غزو العراق.

المشكلة الآن، أن القتلى اليوميّين في العراق، فاقوا عدداً حتى الأرقام المبالَغ فيها عن القتلى في سوريّا!

في أيلول هذا، فقط ، قُتِل ألف عراقيّ، وجُرِح حوالي أربعة آلاف.

مَن يقتل مَن؟

لا أظنّ العراقيّين المساكين مولَعين بالقتل.

إذاً… مَن؟

أقولُ بلا تردُّدٍ: إن القتَلة هم ذوو العمائم القذرة.

ابتداءً من السيستاني (هذا هو اسمُه؟)

حتى الغلامَين: عمّار ومقتدى.

محكمة الأولدبيلي اللندنية تحكم في نيسان بالسجن على تاجر أجهزة كشف المتفجرات المزيّفة، بينما حكومة ذوي العمائم النتنة، ظلّت تستخدم هذه الأجهزة حتى الآن، ممّا تسبّب في مقتل حوالي خمسة آلاف عراقيّ مسكين.

التاجر الإنجليزي الشاطر ربح 75 مليون إسترليني. باع لُعبةً كلّفة الواحدة منها عشرون إسترلينيّا، بسبعين ألف إسترلينيّ

هؤلاء العملاءُ ذوو العمائم…

ينبغي أن يُحاكَموا

وأن يُشنَقوا بعمائمهم ذاتها.

تُنزَعُ عمائمُهم في البداية، ليرى الناسُ أيّ أفاعٍ وتماسيح وذئاب وديدان تحتَها.

ثمَّ تُلَفُّ حول أعناقهم السمينة بدل الأنشوطة.

مَن يتذكّر العراق الآن؟

لندن 03.10.2013

……………………….

هذا هو نص سعدي يوسف وأقول: نحن هنا بإزاء نص هجائي متشنج وفج لغة وأسلوبا، وفارغ تماماً من الشعر أو ما يشبه الشعر، سوى أنه مكتوب بالسطرية التي اعتاد الكاتب أن يكتب بها نصوصه الشعرية.. من النافل تكرار القول بأن سعدي يوسف هو أحد أهم أصوات الشعرية العراقية المعاصرة، إنْ لم يكن هو أهمها على الإطلاق، وهذا ليس رأيي الشخصي فحسب، بل هو رأي العديدين من المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي وحتى ممن يسخطون حاليا على سعدي ويرفضون مواقفه وكتاباته السياسية. قد يكون مفيدا أن أسجل هنا بأنني كنت ممن يكتبون ملاحظاتهم وتعليقاتهم النقدية على ما يكتبه الرجل على صفحته، ولم يكن يرد بشيء على ما أكتب ويكتبه الآخرون بل يكتفي بحذف التعليقات النقدية، ويبدو أنه ضاق ذرعا بملاحظاتي فحظرني ومنع دخولي لصفحته منذ أكثر من عام.

بالعودة إلى النص الذي بين أيدينا نفهم منه أن الكاتب حانق أشد ما يكون الحنق على مراجع طائفة المسلمين الشيعة، وليس ضد \”فقراء الشيعة\” كما يقول أحدهم، وهو يسمي بعض هؤلاء بالأسماء. يبدأ الكاتب نصه عائدا إلى بدايات الاحتلال، مخبرا عن أن أحدا لم يعد يهتم بتلك البقعة التافهة ثم يوضح مقصوده بالبقعة التافهة فيقول إنها \”العراق\”، منذ الاحتلال وتنصيب حكوماته العميلة من \”المعممين الكفار\”. يعطي سعدي يوسف (الذي يحب أن يسمي نفسه: الشيوعي الأخير) لنفسه حق تكفير خصومه السياسيين من ذوي العمائم الشيعة حصرا، وهو هنا ليس دقيقاً ولا صادقا حتى بالمعنى الإعلامي أو السياسي للكلمة فالاحتلال لم ينصب حكومة من ذوي العمائم الشيعة بل نصب حكومة من العملاء والحلفاء من أحزاب دينية سنية وشيعية وقومية كردية وأخرى علمانية كان الحزب الشيوعي العراقي من بينها، وهذه الحكومات الحليفة للاحتلال حظيت بتأييد ودعم المرجعية الدينية النجفية، وهذا أمر مرفوض قطعا بالمنظور الوطني الاستقلالي وحتى الديني، ولكن هل يكون رفضه بهذه الطريقة وبهذه اللغة؟ اللافت أن أحدا من ناقدي سعدي يوسف لم يجرؤ على إدانة سعدي لأنه هجا المراجع الشيعية وخص أكبرهم السيستاني بالاسم (منبهاً قارئه إلى أن السيستاني هو اسمه.. وكأن الكاتب اكتشف العجلة أخيرا، فهذا التنبيه له دلالته الخاصة والتي تعني أن هذا المرجع ليس عراقيا، وهو أمر معروف لدى القاصي والداني في العراق، ولا فائدة من تكراره إلا لغير العراقيين من قراء سعدي) بل التقطوا عبارة أخرى قال فيها (وبأهلها زوّار المقابر، آكلي الرزّ بالحمّص واللحم المثروم…) فقالوا بأن الكاتب يشتم ويشنع على فقراء الشيعة، أي على الشيعة كطائفة دينية وعلى ممارساتها الطقوسية كزيارة أضرحة أئمتها بل وحتى تناولهم لأكلة شعبية معروفة هي \”القيمة\”. والواقع، هو إنّ القراءة الأولى والسريعة أو المتمعنة والبطيئة للعبارة يفهم منها هذا المعنى السلبي وهو أمر مرفوض قطعا. وقد حاولت أن أقرأ هذه العبارة تحديدا ضمن مفهوم \”السخرية السوداء\” وكأن سعدي هنا ينقل كلاما قيل على لسان شخص آخر يكره العراق والعراقيين أو على لسان أحد جنود الاحتلال الذين كرهوا كل شيء في العراق فيقول قائلهم (تلك البقعة التافهة وبأهلها زوّار المقابر، آكلي الرزّ بالحمّص واللحم المثروم) يشجع على هذا الاحتمال (عبارة الرزّ بالحمّص واللحم المثروم) وهو يعرف أن اسم هذه الطبق العراقي هو \”القيمة\”، ولكن احتمال أن يكون هدفه توضيح الأمر للقارئ العربي يضعف هذا الاحتمال، وعموما فالقراءة الشاملة للنص ككل تنفي هذا الاحتمال وتجعل العبارة تستبطن هجاء طائفياً رخيصاً من النوع المألوف في فولكلور الشتائم الطائفية المتبادلة بين الطائفيين من السنة والشيعة في العراق، وهذا ما لا يعقل صدوره من شاعر كسعدي يوسف ولكنه صدر للأسف.

ما تبقى من النص يسير ضمن النهج والرؤية والطريقة الكتابية ذاتها فثمة الوفير من الصراخ والدعوات لشنق هؤلاء المعممين بعمائمهم والوفير من الأفاعي والتماسيح والذئاب والديدان تحت هذه العمائم دون أن يقول كلمة واحدة ضد السياسيين الذين يقودون العملية السياسية وأجهزة الحكم كرئيس الوزراء أو نائبيه \”السني والكردي\” أو غيرهم وربما كان له رأيه السياسي في كون هؤلاء ليسوا إلا بيادق في أيدي ذوي العمائم إنما اللافت أيضا أن سعدي يوسف وقد هاجم هؤلاء وغيرهم في نصوص سابقة لم يمر على ذكر رجال دين آخرين من طوائف أخرى كانت لهم مواقفهم المؤيدة للاحتلال وخرج أحدهم وهو يستقبل أحد الضباط الأميركيين في أحد المساجد ثم ظهر وهو يتناول الطعام بين الجنود والضباط الأميركان حاملا طبقه بيده ولا أولئك الذين كانت لهم مواقفهم وخطبهم التحريضية والانفصالية والداعية لإقامة إقليم ذي هوية طائفية وباركوا أعمال القتل والتفجيرات التي يدينها سعدي يوسف بقوة في نصه هذا. اللافت أيضا أن يوسف لا يسمي القتلة الذين يفاخرون بغزواتهم وتفجيراتهم ويتبنونها علنا في مواقعهم الحصينة على النت وأعني مجرمي تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة التكفيرية المشابهة بل يجزم بأن القتلة هم ذوو العمائم الشيعة! ألا ينطوي هذا الأمر على تأييد ضمني وربما \”تفهم ما\” لأعمال القتل أم أن الأمر يتعلق بزلة لسان؟ لا نريد الجزم بشيء ونترك ذلك لقناعات القارئ.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا