سقوط مذهل وسريع انتهى إليه مصير بشار الأسد بعد 25 عاما على سدة الحكم، فعقب 12 يوما فقط على بدء ما تسمى عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها “المعارضة” السورية والجماعات الموالية لها، تم الإعلان عن سقوط الأسد ورحيله، لتبدأ سوريا عهدا جديدا ومفتوحا على سيناريوهات عدة، يراها مراقبون، أنها قد تمهد لما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد” وفق النظريات الغربية.
ودخلت قوات المعارضة إلى العاصمة السورية دمشق فجر اليوم الأحد، بعد ساعات من دخول مدينة حمص، معلنة سيطرتها و”إسقاط بشار الأسد”، في بيان مقتضب بثته من التلفزيون الرسمي، في حين ذكرت وكالة رويترز -نقلا عن مسؤولين سوريين “رفيعي المستوى”- أن الرئيس المخلوع غادر العاصمة إلى وجهة غير معلومة.
وقال رئيس الحكومة السورية السابقة محمد الجلالي، فجر اليوم الأحد، إنه مستعد “للتعاون” مع أي قيادة يختارها الشعب ولأي إجراءات “تسليم” للسلطة، وفيما أكد أن سوريا يجب أن تشهد انتخابات حرة للسماح للشعب باختيار قيادته، لفت إلى أن تواصلا جرى مع قائد المعارضة أحمد الشرع لبحث إدارة الفترة الانتقالية الراهنة، وهو ما يمثل تطورا ملحوظا في الجهود الرامية إلى تشكيل المستقبل السياسي لسوريا.
ويقول المحلل السياسي، علاء الخطيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “رحيل الأسد كان شيئا مؤكدا، فمن خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد في الدوحة بين روسيا وتركيا وإيران، اتضح أن هناك تراجعا في الموقفين الإيراني والروسي تجاه بقاء الأسد على سدة الحكم، حيث ركن الجميع إلى هذا الرأي، ومنهم تركيا التي تقود حملة إزاحة الرئيس السوري”.
ويضيف الخطيب، أن “الجميع اتفق على أن يكون هناك حل سياسي، لابد أن يراعي الوجود الروسي في سوريا، كونها تسعى لتوسيع دورها كلاعب دولي، كما أن إيران تريد ضمان نشوء دولة غير معادية لها، من أجل المحافظة على وضع حزب الله وعدم سيطرة المسلحين على خط الإمداد”.
وعن مرحلة ما بعد الأسد، يعتقد المحلل السياسي، أن “هناك الكثير من السيناريوهات القائمة، قد تتسبب بتتغير حال المنطقة، ويصار إلى خارطة جديدة للشرق الأوسط، فسقوط الأسد سيغير الكثير من المعادلات، لأن المراد بهذا السيناريو ليس سقوط الأسد فحسب، وإنما تغيير سوريا بالكامل، لكن حتى هذه اللحظة يبدو أن الثمار لم تسقط في أحضان المخططين الدوليين، لأن هناك الكثير من الموانع”.
وحول تأثيره في الساحة العراقية، يشير إلى أن “الخطر بعيد عن العراق في هذه المرحلة، خاصة وأنه لم يتدخل بشكل مباشر في سوريا، لأن الوضع خطير، وليس كما كان في 2011 و2012، حين كان الجنرال الإيراني قاسم سليماني حاضرا بالإضافة إلى القوات الروسية، مع قوة حزب الله اللبناني الذي تلقى ضربات قوية وكبيرة وفقد قادة كبارا”.
ويرجح المحلل السياسي، أن “تكون المرحلة المقبلة مختلفة، وتشهد هدوءا نسبيا إلى حد ما، حيث ستتراجع كثير من الدول عن مواقفها، وربما يصار إلى إنشاء دولة جديدة على الحدود العراقية السورية، قد تتخذ وضع شرطي المنطقة”.
عراقيا، لم يصدر أي بيان رسمي حكومي –حتى ساعة كتابة التقرير- معلقا على رحيل الأسد، باستثناء بيانات لسياسيين بينهم رؤساء حكومات، أبرزهم حيدر العبادي الذي هنأ السوريين بالحدث، ودعا لهم بالخلاص من الفوضى، فيما حذر رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، من تداعيات “خطيرة” جراء الأحداث في سوريا ودخول إسرائيل “القنيطرة” جنوبي البلاد مستغلة إسقاط نظام الأسد.
وخرج السوريون إلى شوارع العاصمة السورية دمشق في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد، وارتفعت أصوات الرصاص في عموم العاصمة وعلى مداخلها وكافة محاورها، احتفالا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وقال ائتلاف “المعارضة” السورية اليوم، إنه سيواصل العمل من أجل “إتمام انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة”، وأضاف في بيان “انتقلت الثورة السورية العظيمة من مرحلة النضال لإسقاط نظام الأسد إلى مرحلة النضال من أجل بناء سوريا بناء سويا يليق بتضحيات شعبها”.
وتوالت ردود الأفعال الخارجية تجاه التطورات في دمشق، إذ أعلن البيت الأبيض اليوم، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يتابع عن كثب الأحداث التي تجري في سوريا، فيما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، شون سافيت، في بيان، إن “الرئيس بايدن وفريقه يراقبان الأحداث الاستثنائية في سوريا عن كثب وهما على اتصال دائم مع شركائنا الإقليميين”.
كما علق الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، على الأمر، برسالة وجهها إلى روسيا وإيران، قائلا عبر منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال”: “رحل الأسد، فر من بلاده، لم تعد روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، مهتمة بحمايته بعد الآن”. وتابع “روسيا وإيران في حالة ضعف الآن، واحدة بسبب أوكرانيا والاقتصاد السيئ، والأخرى بسبب إسرائيل ونجاحها في القتال”.
وكان الأردن قد أكد على أهمية أمن واستقرار جارته، وذلك بعد إعلان فصائل المعارضة سيطرتها على العاصمة دمشق وفرار الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وبشأن السقوط السريع للأسد، يفيد من جهته، الباحث السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “عملية التدافع السياسي والعسكري لإسقاط الأسد ارتفعت عندما أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا طالبت فيه بتطبيق القرار 22/45 الذي يدعو إلى إنشاء هيئة انتقالية للحكم في سوريا مستندة إلى اتفاق جنيف”.
ويضيف عياد، أن “بيان الخارجية الأمريكية يتضمن إشارة إلى إقصاء داعش وبعض الفصائل السورية، إذ ساعد هذا الدخول الأمريكي على الخط السياسي، على السقوط السريع، مع ما يقابله من حوار تركي إيراني روسي، وعراقي سوري إيراني، وهناك فاعل تركي نشط على كل المحاور السياسية ولديه اتصال مع الجانب الأمريكي”.
ويتابع أن “ديناميكية سياسية تشكلت بمستوى عال من التدافع السياسي ظهر للعلن، وهناك تدافع ميداني وسباق نحو العاصمة دمشق، فالقوى التي قدمت من الشمال السوري تمتلك نفوذا وقوة في الشام، واندفعت القوات في درعا باتجاه الحدود الأردنية، وهذه مجاميع متعددة الولاءات قريبة أمريكا ودول الخليج، إذن إسرائيل حاضرة ومعنية بالقوى القريبة عليها حتى تستطيع أن تتعامل معها وتنشئ المناطق العازلة، فالخارطة كانت واضحة والكل يحاول أن يعزز أوراقه ويحاول أن يكون لاعبا في عملية انتقال السلطة”.
عراقيا، لم يصدر أي بيان رسمي حكومي –حتى ساعة كتابة التقرير- معلقا على رحيل الأسد، لكن سياسيين عراقيين كتبوا تغريدات عن هذا الحدث، إذ هنأ رئيس حزب “السيادة” خميس الخنجر، الشعب السوري بمناسبة سقوط نظام بشار الأسد، معربا عن أمله في الوقت ذاته بتأسيس دولة جديدة في سوريا “تؤمن بالمواطنة والحريات”.
ومن جهته، كتب رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي في منشور له على منصة “إكس”، “يوم جديد في سوريا، نأمل أن يكون يوم وحدة وحرية وعدالة وسلام لشعبها”، داعيا إلى استثمار المشتركات “الهائلة” بين الشعبين العراقي والسوري في “السلام والبناء”، والعمل على إنهاء الصراعات والحروب.
إلى ذلك، يجد المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يجب أن يتسلح بالبراغماتية ليتعامل مع سوريا الجديدة، خاصة في ظل مثل هذه التطورات الدراماتيكية التي تشهدها بلاد الشام منذ أيام، وأمام كل هذه الانهيارات المتسارعة للقوات المسلحة والجيش العربي السوري الذي فقد الروحية والمعنويات التي يقاتل بها قبل أن يقاتل بالسلاح والخطط”.
ويضيف حيدر، أن “كل دول الجوار والمنطقة سيتعاملون مع الوضع الجديد كأمر واقع لا مفر منه، خاصة وأن الأغلبية المطلقة منها كانت تتمنى أن ترى الأسد خارج سدة الحكم بعد ربع قرن من الزمن قضاها في السلطة ارتكب خلالها الكثير من الأخطاء الفظيعة والإستراتيجية”، مشيرا إلى أن “العراق بدوره سيتعامل مع الوضع الجديد كأمر واقع كون سوريا جارا له ويجمعها مع العراق الكثير من المشتركات وعلى مختلف المستويات”.
ومن أجل أن يقبل العراق التعامل مع الأمر الواقع الجديد، يشير حيدر، إلى أن “عليه تعلم الكثير من البراغماتية التي تمكن صاحبها عادة من تجاوز بعض الثوابت ونسيان أمور عدة”، مستدركا أن “هذه البراغماتية لا تعني التنازل والاستسلام، إنما المقصود بها البراغماتية الممزوجة بالحذر والوعي لتحقيق مفهوم السياسة فن حماية المصالح الذي تجيده جارته الشرقية إيران على الرغم من أن نظاما دينيا راديكاليا يحكمها”.
ويرى حيدر، أن “الاحتمالات المفتوحة على مصراعيها بعد تغيير النظام السياسي في دمشق، منها سيطرة الجماعات الإرهابية على السلطة أو الاقتتال الداخلي الذي سيبدأ بين الفصائل المسلحة نفسها، ومن بين الاحتمالات أن الكبار الذين يحركون الأدوات على الأرض سيتفقون لضبط الأمور حتى لا تفلت من يدهم على اعتبار أن ذلك إذا ما حصل فسيتضررون هم أنفسهم منه ومن الفوضى المسلحة”.