في معظم الاحيان تختزل معظم رؤى وقناعات المعلقين والمحللين السياسيين حول التدهور الامني بشكل عام وما حصل في الموصل بشكل خاص من زاوية واحدة فقط، وهي محاولة نوري المالكي الحصول على ولاية ثالثة او حتى ما قبلها الوصول لفوز كاسح في الانتخابات، ورغم ان تلك الرؤية ليست مغلوطة بالمطلق لكن ارجاع كل تلك الفوضى الامنية وهذه الهجمات الشرسة التي يتعرض لها العراق لهذا السبب بالدرجة الاولى فيه مبالغة غير منطقية، وتكاسل مفضوح عن متابعة تفاصيل اخرى اهم بكثير.
ربما تكون هناك اسباب اخرى اكثر اهمية، لماذا لا نقول مثلا: إن الدولة عموما والحكومة خصوصا عاجزة امام مهارات وقدرات تنظيمات داعش المدعومة بالعدة والعدد والقدرات التخطيطية العسكرية العالية، لماذا لا يكون السبب هو اختراق نوعي للصف الاول من القيادات العسكرية في الجيش العراقي؟!
تحدثت الى كثير من المقاتلين في مختلف المدن العراقية الساخنة، اكدوا جميعا تخاذل القيادات العسكرية في الجيش العراقي والتشكيلات الامنية بشكل مخيف، باستثناء الفرقة الذهبية التي اشاد بها جميع المشاركين في القتال. تفاصيل كثيرة حول ما يحدث في المعارك مثيرة للقلق لا يمكن تكذيبها بالمطلق.
لا أريد ان أتبوأ دور المحلل الامني، ولكني اتناول هنا تعاطي النخبة مع ما يحصل من تدهور امني. هناك معطيات لا تريد النخبة ان تفهمها جيدا، وازعم ان الموضوع فيه مزاجية صارخة خصوصا اذا تعلق الامر بالمالكي، بمعنى حتى التقصير الذي يتحمل مسؤوليته المالكي يسوق بطريقة مزاجية.
الحكومة تمر بظروف صعبة وهذا واضح ولذلك استعانت بالمجموعات المسلحة التي وازنت الكفة طيلة الفترة الماضية. المالكي يتحمل مسؤولية الاخفاق والكتل السياسية التي منعت التسليح ايضا تتحمل جزءا من ذلك الفشل، الجيش مرتبك جدا، تمزقه الولاءات العرقية والطائفية وتنعكس تلك الولاءات على الارض، كما ينخره الفساد الاداري. ذلك يرجح ان الدولة واجهزتها الامنية فشلت في مواجهة داعش الى حد كبير، وليس بالضرورة ان السبب فيما يحصل يعود لدوافع سياسية محضة من رأس الهرم في الدولة العراقية.
ختاما فإن سقوط الموصل ضارة يجب ان تستثمر بشكل جيد، لا اخاطب القوى السياسية فقد فات اوان الحديث معها، بل الجمهور والمكونات ذاتها عليها ان تتعلم مما حصل. من فتح حواضنه لمن يتمترسون خلف لافتات داعش عليه تجربتها، ومن يعاديها عليه التفكير بأساليب اخرى للمواجهة. كل مكون لابد ان يعنى بتحصين نفسه امنيا مع غياب الدولة، كفانا مكابرة.
gamalksn@hotmail.com