كان لدي صديق يردد كثيراً، المثل المعروف \”لا تضع البيض كله في سلة واحدة\”.. وعندما سألته مازحاً: أين هو البيض، فالسلة فارغة!؟.. قال بطريقة ساخرة: لن تجد البيض سالماً في السلة نفسها، لأنه يكسّر بعضه.. أي أن البيضة عدوة لشقيقتها البيضة المجاورة دون أن تشعر، ودون أن ترغب في كسرها، في الأغلب!
وقد يُطبّق ذلك المثل في كثير من المواقف السياسية، لكن الأكثر اقتراباً من واقعنا الحالي، كما يبدو، أن الأزمات والخصومات والصفقات كلها متوقفة على الإجابة عن سؤال واحد: \”هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة\”؟.. وعندما يتوصل العلماء والفقهاء والفلاسفة إلى إجابة قاطعة حاسمة، سوف يتوافق الفرقاء السياسيون على حل المشاكل العالقة، ويتخلون عن وضع الرقي والبيض والدولار في سلالهم الخاصة وحساباتهم السرية، ويصبح الوطن سلة واحدة، ويعيش الجميع في قفص واحد مريح آمن وسعيد!
وما دامت سلة الوطن فارغة، وسلال الفرقاء مزدحمة، راح السياسيون يتبرؤون من السلة الواحدة، في تصريحاتهم العلنية، فقد كانت هناك مقترحات، من أكثر من جهة وكتلة وحزب وشخصية، لتمرير القوانين المعطلة في البرلمان، في سلة واحدة، وبدلاً من مبدأ \”عطلني واعطلك\”، يصبح المبدأ \”شيلني واشيلك\”.. فمصلحة البلاد والعباد قد تقتضي وضع البيض في تلك السلة، لكي لا نخسر السلة والبيض والوطن والمستقبل، لعل كل طرف يتسلم بيضته في نهاية النفق، وكل قوم بما لديهم فرحون!
الغريب أن الأيام الماضية شهدت تصريحات ومقترحات مناقضة، واتفق الجميع على ان (السلة الواحدة) بدعة خطيرة، في تشريع القوانين، وفي نفس الوقت خطوة مطلوبة في توزيع الحصة التموينية، وهذا التوافق المؤقت، قد يفضي إلى تعطيل دائم لتلك القوانين حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية، وانتظار طويل لكي يتذوق الناس طعم الحصة الموحدة الموعودة منذ نحو عامين، ومن ثم يجد المواطن نفسه أمام قضايا مؤجلة مزمنة، حتى الاجابة عن السؤال الأزلي حول البيضة والدجاجة!
الحل الذي ينتظره المواطن هو أن يجلس العقلاء والحكماء، في داخل البرلمان وخارجه، ويستخرج كل منهم بيضاته أمام الجميع، في مصارحة ومكاشفة أخوية، ومناقشة ودية، لأن الزمن لا يرحم والتحديات خطيرة، والمواطن لا يريد المزيد من الانتظار ويطالب الاسراع بالتصويت على القوانين \”المهمة\”، والخلافية وابرزها قانون مجلس الاتحاد وقانون المحكمة الاتحادية العليا وقانون انتخابات مجلس النواب وقانون حظر حزب البعث والانشطة التكفيرية والارهابية وقانون التعديل الاول لقانون هيئة المساءلة والعدالة، وقانون التقاعد وقانون تعديل رواتب موظفي الدولة وغيرها من مشاريع القوانين المعطلة بسبب الخلافات والتجاذبات والمساومات والأزمات السياسية المستمرة.
اللعبة الديمقراطية يفترض ان تحافظ على البيض حتى لو كان في سلة واحدة، وعدم تكسيره، ولعل من حسنات الديمقراطية وسيئاتها، في الوقت نفسه، أن النص القانوني يمر بمراحل متعددة من الغربلة والتدقيق والصياغة، قبل الاتفاق على تشريعه وتطبيقه، وقد تمادى بعض السياسيين في استغلال الآلية الديمقراطية، من أجل مصالحهم الشخصية والفئوية.
هناك نكتة تروى عن زمن النظام السابق، يقال ان الطاغية زار، في سنوات الحصار حقلاً لتربية الدواجن، وطلب من مدير الحقل أن يبلغ الدجاج بأن \”القائد الضرورة\” اتخذ قراراً وأصدر أمراً لكل دجاجة أن تبيض بيضتين يومياً، لكسر الحصار، ومن اجل مصلحة الشعب والوطن، وفي اليوم التالي جاء الطاغية ليقوم بالتفتيش على الدجاج، فوجد الجميع قد نفذ الأمر إلا دجاجة واحدة، كانت ترتجف من الخوف وتجلس على بيضة واحدة!.. فصرخ فيها: ما هذا؟…لماذا خالفتي الأوامر؟!.. ارتعبت الدجاجة، ولم تستطع الاجابة، فاقترب مدير الحقل وقال: العفو سيدي.. ترى هذا ديك وليس دجاجة!!
لا أحد يريد اليوم عودة زمن الخوف الذي جعل الديكة تبيض من الرعب، وكانت القرارات والقوانين تكتب من شخص واحد وتنفذ في غضون دقائق، ولكن على الجميع أن يدركوا أن الشعب، إن فقد صبره، بسبب المماطلة والتسويف والتعطيل، فسوف يكسر البيض على رؤوس الديكة المتغطرسة، وخذوا العبرة من سي مرسي، قبل فوات الأوان!!
* كاتب وأكاديمي عراقي