سماء بلا دفاعات.. تحذيرات من انزلاق العراق في الحرب

بالتزامن مع هجوم بالمسيرات نفذته فصائل “المقاومة” العراقية على ميناء إيلات الإسرائيلي، حذر مراقبون سياسيون وأمنيون من انزلاق العراق في حرب “غير متكافئة” دون دفاعات جوية، وفيما حمّل البعض، الإطار التنسيقي، مسؤولية ذلك، وتساءل عن سبب عدم اتباع الفصائل لطهران التي نأت بنفسها عن الحرب، تحدث خبراء أمنيون عن أهداف إسرائيل لو قررت الرد، مشيرين إلى عدم جدوى الهجمات التي تقوم بها الفصائل من العراق ضد إسرائيل. 

ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إصرار الفصائل المسلحة على الاستمرار بنشاطها ضد إسرائيل من الأراضي العراقية أمر يثير الكثير من الريبة والشكوك، وكأن يدا خفية تسعى لتوريط العراق بالأزمة الخطيرة الحالية التي تشهدها المنطقة والتي يحاول الجميع تجنبها بأي شكل من الأشكال إلا الفصائل التي تنشط خارج سلطة الدولة متجاوزةً الدستور والقانون والسياسات الإستراتيجية التي تتبناها الدولة ومختلف القوى السياسية المشاركة حاليا بمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية”.

ويحذر حيدر، من “تورّط العراق بصراع فوق طاقته، فإذا ما تم زجه بهذه الحرب غير المتكافئة فقد يتعرض لعمليات قصف وحرب سيبرانية هو عاجز عن التصدي لها فضلا عن ممارستها وتوظيفها، فإذا كانت المقاومة اللبنانية التي تمتلك خبرة نصف قرن تقريبا من الحروب والمواجهات فشلت في حماية نفسها من هذا النوع من الحرب فماذا سيفعل العراق الذي ما زالت سيادته مرهونة بقرار السفيرة الأمريكية”.

وينوه بأن “العراق ليس في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، ولا أي طرف في المنطقة، فإذا أراد أن يدخل حربا محسوبة فيلزمه أن يتخذ قرار الحرب في إطار نص المادة 61 (تاسعا) من الدستور التي تقول في معرض حديثها عن اختصاصات مجلس النواب [الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء]”، لافتا إلى أن “الحرب لا تتخذ بقرار من فصيل مسلح أو بمزاجية”.

ويتساءل المحلل السياسي المقيم في واشنطن، عن “سبب عدم التحاق الفصائل بجبهات الحرب المباشرة مع الكيان الصهيوني سواء في سوريا أو في لبنان لو أنها كانت صادقة بشعاراتها”، لافتا إلى أن “الفصائل منذ عام وهي تعلن عن تنفيذها لعمليات قصف للكيان الصهيوني، دون أن يتغير شيء، فهل حمت الدم الفلسطيني أو أوقفت إرهاب الصهاينة”.

وكان مراقبون رجحوا في تقرير نشرته “العالم الجديد” أمس، اقتراب الحرب الشاملة بين إسرائيل ودول وفصائل “محور المقاومة”، وفيما حذروا من دخول العراق في الحرب، كونها ستتسبب بخسارات كبيرة، داعين حكومة محمد شياع السوداني، إلى اتخاذ موقف واضح بهذا الشأن، أقر الإطار التنسيقي بعجز الحكومة عن ضبط سلوك الفصائل العراقية، معللا ذلك بكونها تعمل وفق “تكليف شرعي”، وأنها غير معنية بالسياقات الرسمية.

وخلال ظهور تلفزيوني، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس، من احتمال نشوب “حرب شاملة” في الشرق الأوسط، لكنه قال “أعتقد أيضا أن الفرصة لا تزال قائمة للتوصل إلى تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأسرها بشكل جذري”.

ويحمل حيدر، “الإطار التنسيقي، المسؤولية العظمى إذا انزلق العراق في هذه الحرب، فهو الكتلة النيابية الأكثر عددا التي شكلت الحكومة، وهو الذي يدعمها بكل الأشكال، كما أن له علاقات حسنة وتواصلا ملحوظا مع الفصائل المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة”.

ويخلص إلى أن “قرار طهران كان النأي بنفسها عن مباشرة الحرب والاكتفاء بوكلائها، خشية على أمنها القومي وحماية لمصالحها الاستراتيجية العليا، وهو قرار ذكي وحكيم”، متسائلا عن “سبب عدم حذو الفصائل العراقية حذو طهران، زعيمة محور المقاومة”.

ونفذت “المقاومة الإسلامية في العراق”، مساء أمس الأربعاء، هجوما بطائرات مسيّرة على مدينة إيلات على البحر الأحمر، وأعلنت أنّ الهجوم يأتي ردا على مجازر الاحتلال في لبنان وغزة، مؤكدة “استمرار العمليات في دكّ معاقل الأعداء بوتيرة متصاعدة”.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، إن الهجوم أسفر عن إصابة شخصين بجروح طفيفة، لافتا إلى أن سفينة الصواريخ “ساعر 5” اعترضت مسيّرة بينما سقطت أخرى في مدينة إيلات، مضيفا أن “الجيش يتابع التهديدات القادمة من العراق ويجمع المعلومات وسوف يفعل ما يلزم”، بحسب تعبيره.

وعن هذا الهجوم، يرى الخبير الأمني علاء النشوع، من جهته، أن “طائرات مسيرة ذات أحجام صغيرة لا يمكن لها أن تحمل عتادا ثقيلا، لا تستطيع أن تحدث خللا في التوازن العسكري للخصم لأن الطائرات المسيرة أو الدرون لا يمكن إطلاقا أن تضرب أهدافا ميدانية وسوقية للخصم، إذ يكون استخدامها لضرب بعض المنشآت لتحدث إرباكا فقط، أما التدمير الشامل فهو مستحيل لأن مستوى الصاروخ أو الحمولة يكون تأثيره على مساحة لا تتجاوز بضعة أمتار مربعة، ولا يمكن له أن يتعدى القوة التدميرية لصاروخ بالستي أو صاروخ طائرة مقاتلة”.

ويجد النشوع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العمل العسكري المؤثر يعتمد على مدى التأثير في الخصم سواء من الجانب المعنوي والمادي، فإذا كانت الضربة ذات تأثير محدود، فإن العملية مهما سخرت لها الإمكانيات الإعلامية فإنها في مفهوم الردع العسكري تعتبر فاشلة وغير مجدية، وتسمى في العلم العسكري بالخطأ الميداني وسوء تقدير الموقف”.

ويعتقد أن “قيام الفصائل العراقية باستهداف مواقع إسرائيلية في العمق أو في مناطق محاذية للحدود اللبنانية والفلسطينية لتخفيف الضغط الإسرائيلي المدمر، قد تكون له نتائج عكسية على العمق اللبناني وحتى يمكن أن تدفع إسرائيل لضربات ذات قوة تدميرية أكبر وخاصة عندما تتبنى مفهوم الأرض المحروقة أو التدمير الشامل والمباشر وفق متطلبات الحرب التقليدية ذات مستويات الردع العالية”.

ويؤكد أن “سلاح الجو الإسرائيلي يمتلك قدرات وإمكانيات تقنية كبيرة إضافة إلى الفاعلية القتالية، إذ نفذ ضربات مدمرة، فإسرائيل تمتلك طائرات متطورة جدا في مهاجمة الأهداف ولا توجد أي منظومة للدفاع الجوي في المنطقة تستطيع أن تسقطها”، لافتا إلى أن “أول هذه الدول التي تفتقر إلى هذه المواجهة هو العراق لأن كل أنظمة الدفاع الجوي بما فيها المنظومة الفرنسية الجديدة لا تستطيع أن تصمد لدقائق أمام الجهد الجوي الإسرائيلي عند دخوله الأجواء العراقية”.

وعلى ضوء هذه المعطيات، يتوقع الخبير الأمني، أن “الرد الإسرائيلي إذا ما تم سيكون قاسيا جدا، وأن مستويات التدمير ستكون غير متوقعة على الفصيل الذي اتخذ قرار الضربة على إسرائيل في الوقت التي تخوض فيه إسرائيل حربا متعددة ومتنوعة من حيث الأسلوب والشكل، فهي قد استخدمت الحرب التقنية والمعلوماتية إلى جانب الحرب المباشرة ثم التحول إلى حرب شاملة ومدمرة”.

وبعد عمليات “البيجر” التي طالت عناصر حزب الله في لبنان الأسبوع الماضي، وبدء القصف المتبادل مع إسرائيل، أظهر العديد من قادة الفصائل العراقية الدعم اللامحدود لحزب الله اللبناني، وقامت بالرد عبر الطائرات المسيرة على إسرائيل، فيما نشر بعضهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتطوع من أجل القتال إلى جانبه، وتجهيز “استشهاديين”.

وأعلن الأمين العام لـ”كتائب سيد الشهداء” أبو آلاء الولائي، في 20 أيلول سبتمبر الحالي، وبعد التفجيرات التي شهدها لبنان، وباتت تعرف بتفجيرات البيجر، عن استعداده لزج 100 ألف مقاتل للقتال إلى جانب حزب الله في لبنان.

وكانت “المقاومة الإسلامية في العراق”، أعلنت مساء الأحد الماضي، أنها هاجمت بمسيّرات “الأرفد” هدفا إسرائيليا في غور الأردن، وقد دوّت صفارات الإنذار في هذه المنطقة ومناطق بالجولان السوري المحتل، وكذلك في مدينة بيسان لأول مرة منذ بداية الحرب على غزة، وفقا للإعلام الإسرائيلي.

وغالبا ما تستخدم تلك الفصائل المسيرات الانتحارية في هجماتها ضد إسرائيل، سالكة المناطق الغربية الواقعة على حدود الأردن أو المثلث العراقي السوري الأردني، غير أن تلك الطائرات وبسبب بعد المسافة واضطرار مشغليها لعدم تحميلها بزنات عالية من المتفجرات، فإنها تبدو متواضعة الأثر وفاقدة للقدرة التدميرية العالية.

من جانبه، يشير الخبير الأمني عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الردود الإسرائيلية إذا حدثت فستكون على المقاومة كأشخاص أو مقرات للفصائل، ولكن المقاومة تتحدى هذا الرد لأنها مستمرة وسترد برد أقوى، لأن لها معدات وأسلحة، وهي الآن تستهدف أهدافا عسكرية فإذا استمر العدوان على المدنيين والآمنين فتضطر المقاومة باتجاه المستوطنين الإسرائيليين حيثما كانوا”.

وعن وضع العراق الدفاعي في حال تعرضه لهجوم، يؤكد الكناني، “عدم امتلاك العراق منظومة دفاع جوي”، عازيا الأمر إلى “مجاملة الحكومة للإرادة الأمريكية، وعدم السعي لامتلاك منظومات دفاع جوي”.

ويشير إلى “سلوك الفصائل لأساليب بديلة، وهي تغيير المقار العسكرية والابتعاد عن منظومات الاتصال برمتها، لأنها تشكل خطرا وتهديدا”، لافتا إلى “امتلاك المقاومة لمعدات جديدة تبعد التتبع المراقبة والرادارات”.

يذكر أن كتائب حزب الله في العراق، قررت إرسال ألوية عسكرية إلى منطقة البقاع في لبنان لدعم حزب الله اللبناني، وتقدر عددها بنحو ستة إلى سبعة آلاف مقاتل. 

وأكد زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي، في رسالة تعزية إلى نصر الله، إن “المقاومة الإسلامية في العراق مستمرة في عملياتها ضمن جبهة الإسناد العراقية نصرة لفلسطين ودعما للمقاومة في غزة”.

إقرأ أيضا