على الرغم من النشاطات والتحركات المكوكية لدول الإقليم والعالم بشأن المشهد السوري، إلا أن التحديات ما زالت كبيرة أمام رسو دمشق على شاطئ الاستقرار، فالبلد الذي يمتلك مكونات قومية وفكرية وعقائدية متنوعة، ما زال مقسما إلى مناطق تمسك الأرض فيها جماعات مختلفة، وهو ما يشكل تحديا أمام عبور المرحلة الانتقالية إلى دولة تمثل كافة المكونات.
وعقب سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.
ويعتبر شكل الحكومة المقبلة بعد سقوط الأسد، تحديا كبيرا يقع على عاتق الحكومة الجديدة المؤقتة، التي انتقلت من العمل في إدارة مدينة إدلب لتسيير أعمال الحكومة السورية بعد استلام الوزارات من حكومة النظام السابق.
ويقول الباحث السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ما يدفع باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا هو الدعم الدولي والرغبة الدولية الإقليمية بأن يكون هناك نظام حكم مستقر ومرحلة انتقالية تمثل كافة المكونات، وهذا سيمثل حافزا لكل المكونات التي تحاول أن تكون جزءا من هذه المرحلة التي يصاغ فيها الدستور والتي سيتحدد فيها شكل النظام السياسي وهوية الدولة السورية”.
ويضيف عياد، أن “الكل معني بأن يكون طرفا في المرحلة الانتقالية وأن يكون له تأثير ووزن، خصوصا أن هذا يمثل رغبة دولية، وهو ما أشارت له قمة العقبة التي أكدت على وحدة سوريا وضرورة أن تكون هناك حكومة انتقالية تمثل كل المكونات السورية، ولدى كل الأطراف السورية مصلحة في ذلك”.
أما العوائق أمام إيجاد استقرار في سوريا، يشير إلى أن “حالة من الغموض ما زالت تحيط بعض المناطق السورية، فإمكانية دخول بعض الأطراف كحجر عثرة واردة، مثل قوات قسد، المدعومة أمريكيا، حيث تستطيع أن تعطل هذه البرامج، خصوصا وأنها تسيطر على ثلاث محافظات تمثل 27 بالمئة من مساحة سوريا، إلا أن هناك مصلحة تركية لا تشجع ذهاب هذه الأطراف بعيدا في تعطيل هذا المسارات”.
ويكمل أن “مستقبل مناطق الساحل والقنيطرة والسويداء ما زال مبهما، هناك غموض حول كيفية مشاركتها ومدى فاعلية ذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي وتوغله داخل الأراضي السورية في مناطق تعتبر حساسة وتملك بعدا جغرافيا وديموغرافيا مهما في المشهد السوري، وهذه معوقات تمثل تحديا وليس بالضرورة أن تقف عائقا أمام تشكيل حكومة مستقرة”.
وتضع هذه التحديات المشهد السوري بين احتمالين، وفقا لعياد، هما “أن تنجح الضغوط والرغبات في المضي بعملية انتقالية، أو أن تؤدي عملية التدافع بين الأطراف السورية إلى تأجيج الصراع، والسيناريوهات كلها قابلة أن تتحقق”.
ويعتقد أن “إمكانية نجاح الحكومة السورية الجديدة في العبور بمرحلة انتقالية وارد جدا، فهناك رغبات بإنجاح هذه المرحلة، وكل شيء قابل للتفاوض وثمة احتمال كبير بتخطي المرحلة الأولى الهادفة إلى تشكيل حكومة انتقالية وهذا لا يعني ألا تكون هناك منغصات، لكن الطرف الذي يمسك زمام الأمور في سوريا لديه رغبة في تشكيل حكومة تحظى بالشرعية وتحقيق الأمن والوحدة للبلاد، وتبقى المسؤولية على الأطراف الأخرى ومدى إبداء المرونة منها”.
وأكدت لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، في اجتماعها بمدينة العقبة الأردنية، أمس الأول السبت، الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام إرادته وخيارته، داعية إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية جديدة “جامعة”.
وشدد البيان الختامي الصادر عقب الاجتماع، على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
في غضون ذلك، قال رئيس إدارة العمليات العسكرية، وزعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، إن جماعته ليست بصدد الدخول في صراع مع إسرائيل، عادا أن “التذرعات التي كانت تستخدمها إسرائيل قد انتهت”، بحسب ما أورد تقرير لوكالة أسوشييتد برس. أما وكالة الصحافة الفرنسية فنقلت عنه قوله: “الوضع السوري المنهك بعد سنوات من الحرب والصراعات لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة”.
من جهته، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “سوريا تمر بمرحلة انتقالية وحكومة مؤقتة لثلاثة أشهر من أجل التهيئة لدستور جديد والانفتاح على الاقتصاد والمنظمات الدولية والتعددية السياسية والحزبية، وهذا الانتقال نحو جمهورية ديمقراطية سيتم من خلال هذا الدستور الجديد”.
ويرى فيصل، أن “الطريق إلى الديمقراطية مازال طويلا، فالبلد يواجه تحديات كبرى، وبعيدا عن التحديات الداخلية، تحتاج سوريا إلى حملة دولية لإعادة الإعمار ناهيك عن خسارة أكثر من 500 ألف قتيل في هذه الحرب، وأكثر من 9 ملايين مهجر وهارب في دول الإقليم وأوربا”.
ويذكر أن “النشاطات والزيارات الدولية مستمرة حيال سوريا، ومؤتمر العقبة أكد على المبادئ التي تتعلق بتعزيز الشراكة السياسية وحماية الأقليات القومية، والذهاب إلى نظام يحقق مشاركتها لأن سوريا شعب متنوع الاتجاهات والثقافات والأديان، ويفترض الحفاظ على هذا التنوع وعدم تكرار التجارب في العالم العربي والعالم الثالث التي فشلت في بناء نظام سياسي”، لافتا إلى أن “سوريا أمام طريق طويل لترسيخ دعائم التقدم والتطور لشعب يمتلك ديناميكية في العمل والإنتاج والقدرة على الانفتاح التجاري”.
إلى ذلك، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجمعة الماضي، العراق بشكل “غير معلن”، حيث التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فقد حث الوزير بلينكن، الحكومة العراقية على دعم الانتقال الديمقراطي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، مشيراً إلى أهمية دور العراق في تعزيز سيادته واستقراره الإقليمي.
رسائل بلينكن للسوداني
وفي هذا الاتجاه، يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة بلينكن، وهي الأخيرة ما قبل استلام إدارة الرئيس دونالد ترامب، جاءت بناء على معطيات تتمثل بأن الفصائل العراقية المسلحة تعمل على التدخل مرة أخرى في سوريا على اعتبار أن إيران لم تتقبل انهيارها الإقليمي وخسارتها في سوريا، وقد يكون حديث المرشد الإيراني علي خامنئي خير ما تستدل به الولايات المتحدة، ويضاعف من قلقها من إمكانية جر العراق لإعاقة المرحلة الانتقالية في سوريا”.
ويضيف الشمري، أن “الرسالة الأمريكية واضحة وهي أن على حكومة السوداني ألا تسمح لهذه الفصائل أن تكون جزءا من التحول في سوريا”، مرجحا أن “زيارة بلينكن بغداد، لاعتقاده أيضا أن لقاء مباشرا مع السوداني سيمكنه من معرفة طبيعة توجهات العراق تجاه الاشتراطات الأمريكية في ما يرتبط بتفكيك الفصائل المسلحة وإجراءات الانفصال ومحاولة تقويض النفوذ الإيراني في العراق”.
وبشأن انفتاح العراق على الحكومة الانتقالية في سوريا، يلفت إلى أن “موقف العراق مازال حذرا، لأن حكومة السوداني مازالت قلقة من أن تنفلت الأوضاع وتكون الجغرافية العراقية معرضة لخطر الجماعات المسلحة، أو الحذر لجهة أن الفصائل المسلحة، وهي الركيزة الأساسية الداعمة للسوداني، لا تتقبل التحول السوري، لذا قد يتأخر الموقف الرسمي بالتأييد أو عدمه”.
ويخلص رئيس مركز التفكير السياسي إلى أن “حكومة السوداني كانت قد اتخذت موقفا خاطئا في أثناء الأحداث السورية من خلال وصف هيئة تحرير الشام، وهي عنصر أساسي وكبير في الأطراف السوري التي أسقطت نظام بشار الأسد، بأنها إرهابية، كما أعلنت الحكومة بشكل واضح أنها تقف مع الأسد، وهذا خطأ آخر”.
ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، يوم السبت الماضي، عن نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة الى السوداني بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، وقالت المصادر، إن “بلينكن نقل بشكل واضح ومباشر رسائل تهديد من واشنطن خلال اجتماعه مع السوداني بشأن الفصائل المسلحة في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها”.