يخيل إليك أنها حرب بين النظام السوري والمليشيات المسلحة وداعش كطرف ثالث له تأثير أقوى من المجموعات المسلحة في المعادلة، ولكن حقيقة الحال هي حرب شعواء بين أمريكا وروسيا وحلفائهم في المنطقة، فأمريكا تدعم الجماعات المسلحة وداعش في سورية، أما روسيا فتدعم النظام السوري بكل ما تملكه من قوة، لذلك تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب سورية بأيدي عربية وبغطاء جوي أمريكي – أوروبي – أطلسي وذلك بالسعي لحشد إقليمي بالدرجة الأولى، وحشد دولي أيضا، وهو ما يذكرنا جيداً بأحداث العراق وليبيا، فالأحداث في سورية الهدف منها هو \”التغيير الجيوسياسي\” وتحقيق تغييرات في المواقع الإستراتيجية بالمنطقة، والتدخل في شؤون الدول ذات السيادة من طرف الإدارة الأمريكية التي تعمل على تفتيتها وتخريبها والدفع الى انهيار العقد الاجتماعي بين المواطنين ونشر الفوضى بين مختلف المناطق.
ومن هذا المنطلق تلعب روسيا دوراً مهماً في هذه المرحلة التاريخية التي يشهد خلالها العالم الكثير من التوترات والأزمات الدامية بسبب لاعقلانية سياسة الإدارة الأمريكية ومحاولاتها الدائمة بالهيمنة الأحادية على العالم، فهناك حربا باردة تدور الآن بين روسيا وأمريكا في الشرق الأوسط من خلال الساحة السورية، والسؤال المهم الذي يفرض نفسه هنا هو هل تكون الأزمة السورية سبباً لعودة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا؟ أو أن هناك تبادلا في المصالح بين واشنطن وموسكو لتحقق كل منهما مآربها وأهدافها عبر الأحداث الدائرة الآن في سورية؟
في إطار ذلك لم يكتف الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة وإسرائيل، بتفتيت المنطقة، بل يصر أيضاً على محاصرة روسيا ومحاولة نقل الحالة الإسلامية لتكون مدخلا داخل روسيا لتفجيرها من الداخل وأيضاً إلغاء أي مواقع لروسيا على البحر المتوسط وبناء شرق أوسط جديد ليكون لتركيا وإسرائيل حوض إستخباري واحد قابل لتفجير النظام الإيراني من الداخل. انتبهت روسيا إلى هذه الوقائع وقامت بالتصدي لها بقوة عن طريق مواقفها السياسية حتى أعادت لنفسها الحضور في الساحة الدولية \”التنفيذية والواقعية\” ما جعل الروس يعتبرون الدفاع عن دمشق كأنه الدفاع عن موسكو، وهذا ما حصل في جورجيا، فمن غير المستبعد أن تصر روسيا على عنادها حيال الملف السوري لعلمها بأن دمشق ستكون آخر القلاع التي تحمي جزءا من المصالح الإستراتيجية للدولة الحالمة باستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي. لذلك فإن الحرب الباردة تدور الآن بين روسيا وأمريكا في الشرق الأوسط من خلال الساحة السورية.
من الواضح أن هدف الولايات المتحدة فى العراق وليبيا كان التخلص من شخص كل من صدام حسين ومعمر القذافي تحت دعوى التخلص من الأنظمة الاستبدادية ونشر الديمقراطية، والجميع يرى الآن مدى تقدم الديمقراطية فى العراق وليبيا، ولكن الجزء الأكبر الغاطس من جبل الجليد يعكس أهدافا أكبر بكثير مما نتصور، فالمسألة ليس لها علاقة بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، ولا بمساندة الشعوب المقهورة من أجل نشر الديمقراطية، فالشعوب غير القادرة على تحقيق ذلك بنفسها لا تستحق الحرية ولا الديمقراطية، كما أن الغرب لم يجلب لأحد الحرية والديمقراطية، وهذا الكلام ليس بحاجة إلى اثباتات وبراهين، لأن الآثار والنتائج والتداعيات لا تزال قائمة إلى الآن فى كل الدول التي مر عليها الغرب رافعا فيها راية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
خطة الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل ائتلاف دولي لمحاربة جماعة \”الدولة الإسلامية\” المتشددة تعكس رغبة واشنطن في فرض زعامتها على المنطقة بدلاً من التصدي للإرهاب، ولا أتصور أن هذا الائتلاف یعني مكافحة الإرهاب، وذلك لأن أمریكا دخلت مرحلة الصراع مع داعش فی وقت متأخر جدا. والجدیر بالذكر أن الكثير من الدول باتت تنظر إلي المبادرة الأمريكية بعین الشك والتردد خاصة وأن بعض حلفاء واشنطن الذین طالبوا بتشكيل الائتلاف الدولي لمحاربة هذا التنظيم هم من الذین قدموا أنواع الدعم لعصابة داعش الإرهابية في الحرب ضد النظام السوري والمحاولات الكثيرة للإطاحة به إلا أنهم وبعد فشلهم في تحقیق هذا الهدف دخلت داعش الأراضي العراقیة. وهناك الكثير من التساؤلات حول نفوذ هذه العصابة إلى داخل الأراضي العراقیة. إذ کیف یمكن لهذه العصابة أن تدخل أرض العراق فی غضون أسبوع واحد وتبدأ نشاطاتها فی عدة محافظات عراقیة دون أي تنسیق مسبق؟ الهدف الأول لأمریكا من دخول داعش هو إجبار المالكي علی الاستقالة من رئاسة الحكومة فی العراق، وعندما دعا الأخیر واشنطن إلى دعمه بالأسلحة رفضت الأخیرة هذا الطلب، وهنا دخلت روسیا الساحة لإنقاذ العراق من الأخطار المحیطة به من داعش.
الاستفزازات الغربية لروسيا تتوالى بشكل غير مسبوق، وليس سراً أن الصراع الآن يصل إلى ذروته بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من جهة أخرى، لأسباب ليس بينها حقوق الإنسان أو حماية الشعوب المضطهدة، بل من أجل مصالح كبرى في المنطقة، وبالتالي فإن الأحداث التي نشهدها أثبتت فشل سياسات الإدارة الأمريكية التي كلفت الإنسانية جمعاء الكثير من الضحايا والفوضى ونشوء التيارات الدينية المتطرفة في مختلف الدول وعلى رأسها سورية والعراق.
دماء السوريين والعراقيين ستكون وقود الحرب المقبلة، وقد يأتي دور الجيران الإقليميين، لذلك اختلفت الحرب في عنوانيها فأحدهم قال من أجل الحرية، والآخر لاقتلاع جذور الإرهاب، وربما هي لإسقاط محاور بعينها في وجهها الحقيقي. تتعدد أسباب الحروب وعنوانها الواحد هو الموت. العنجهية الأمريكية ستقابل حتماً بعناد روسي، وسيتقاتل الجانبان على اختلاف الأساليب ليحاول كل منهما كسر شوكة الآخر. المنافسة بين الجانبين ستلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط وسورية ليست بعيدة عنها، وبنظري قد تشتعل المنطقة بحرب إقليمية، وقد تتبدل المعادلات وتقلب أوراقها، لكن الثابت فيها أننا الخاسرون والذين سندفع الثمن فقط.
* د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com